للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ ابْنَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا سَمِعَتْ «عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَلَا نُرَى إلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْت: مَا هَذَا فَقَالُوا: نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَزْوَاجِهِ» قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: فَذَكَرْت هَذَا الْحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: أَتَتْك وَاَللَّهِ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ) .

ــ

[المنتقى]

حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : قَوْلُهُ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نُرَى إلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ حِينَ خُرُوجِهِمْ مِنْ الْمَدِينَةِ قَبْلَ الْإِهْلَالِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ إحْرَامَ مَنْ أَحْرَمَ مِنْهُمْ بِالْعُمْرَةِ لَا يَحِلُّ مِنْهُ حَتَّى يُرْدِفَ الْحَجَّ فَيَكُونُ الْعَمَلُ لَهُمَا جَمِيعًا وَالْإِحْلَالُ مِنْهُمَا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ جَمِيعُهُمْ بِالْحَجِّ فَقَدْ رَوَى عَنْهَا عُرْوَةُ أَنَّهَا قَالَتْ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَجَّةٍ» فَذَكَرْت أَنَّ النَّاسَ كَانُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ خَاصَّةٍ ثُمَّ قَالَتْ فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ وَأَمَّا الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ وَهَذَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ يَحِلَّ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهَا «فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إذَا طَافَ وَسَعَى أَنْ يَحِلَّ» مُحْتَمَلٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ سَيُؤْمَرُ أَنْ يُرْدِفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا أَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ مِنْ هَذَا الصِّنْفِ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَإِنَّمَا خَصَّ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ قَدْ قَلَّدَهُ أَوْ أَشْعَرَهُ لِيَنْحَرَهُ فِي حَجِّهِ بِمِنًى فَحُكْمُهُ أَنْ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] فَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ وَأَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَى عُمْرَتِهِ لِئَلَّا يَحْلِقَ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ هَدْيُهُ مَحِلَّهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْإِحْلَالَ لِحَجِّهِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَتَمُّ لِعُمْرَتِهِ وَأَتَمُّ لِحَجِّهِ لِأَنَّهُ يُفْرِدُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ النُّسُكَيْنِ بِعَمَلِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ هُوَ الَّذِي أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَلِذَلِكَ أَمَرَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَحْرَمَ بِحَجٍّ فَلِذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ مِنْ حَجِّهِ حَتَّى أَتَمَّهُ يُؤَيِّدُ هَذَا حَدِيثُ عُرْوَةَ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ قَوْلُهَا «فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ» .

١ -

(فَصْلٌ)

قَوْلُهُ «قَالَتْ عَائِشَةُ: فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْت مَا هَذَا فَقَالُوا: نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ» يَقْتَضِي أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَنْحَرُ عَنْ غَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَهَذَا عِنْدِي يَقْتَضِي أَنْ يَنْحَرَ الرَّجُلُ عَنْ الْجَمَاعَةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ يَجْرِي مَجْرَى الْأُضْحِيَّةَ لَمْ يُوقَفْ وَلَمْ يُقَلِّدْ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ بِالنَّحْرِ كَالْأُضْحِيَّةِ وَهَذَا يَرُدُّهُ أَنَّ أَهْلَ مِنًى لَا أَضَاحِي عَلَيْهِمْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَلِّدَهُ وَيُشْعِرُهُ عَنْهُمْ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى يَنْحَرَهُ عَنْهُمْ وَيَجْرِي إيجَابُهُ بِالتَّقْلِيدِ مَجْرَى تَعْيِينِ الْأُضْحِيَّةَ قَبْلَ الْإِيجَابِ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ مَبْلَغَ الْإِيجَابِ إلَّا أَنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِي التَّعْيِينِ فَهَذَا يَكُونُ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلِذَلِكَ قَالُوا: «نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَزْوَاجِهِ الْبَقَرَ» وَلَمْ يُعَيِّنْ مَا نَحَرَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَالْأَظْهَرُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ الِاشْتِرَاكُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مُفَسَّرًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>