للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ص (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُحَصَّبِ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ مِنْ اللَّيْلِ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ) .

ــ

[المنتقى]

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ الشَّجَرَةِ وَيَدْخُلُ فِي طَرِيقِ الْمُعَرَّسِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا خَرَجَ لِمَكَّةَ يُصَلِّي بِمَسْجِدِ الشَّجَرَةِ وَإِذَا رَجَعَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ الْوَادِي حَتَّى يُصْبِحَ» .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَإِنْ مَرَّ بِهِ فِي غَيْرِ صَلَاةِ فَلْيُقِمْ حَتَّى تَحِلَّ الصَّلَاةُ ثُمَّ يُصَلِّي مَا بَدَا لَهُ وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَكَرُّرِ ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْهُ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ مِمَّا رُجِيَ بَرَكَتُهُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ أُوحِيَ إلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ أَنَّهُ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ فَيَجِبُ أَنْ يَقْصِدَ بِالصَّلَاةِ رَجَاءَ بَرَكَةِ ذَلِكَ فِيهَا وَلَيْسَ لِمَا يُصَلَّى فِيهِ حَدٌّ يُرِيدُ فِي الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ وَأَقَلُّ ذَلِكَ مَا شُرِعَ مِنْ النَّافِلَةِ وَهُوَ رَكْعَتَانِ فَهَذَا حَدٌّ فِي الْقِلَّةِ وَأَمَّا الْكَثْرَةُ فَلَا حَدَّ لَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِمَنْ كَانَ قَافِلًا مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ قَفَلَ فَمَرَّ بِقَرْيَتِهِ جَاهِلًا فَأَقَامَ بِهَا شَهْرَيْنِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بِالْمَدِينَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُعَرَّسَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى مَنْ تَوَجَّهَ إلَى أَهْلِهِ فِي صَدْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ش الْمُحَصَّبُ مَوْضِعٌ بِأَعْلَى مَكَّةَ خَارِجٌ مِنْهَا مُتَّصِلٌ بِالْجَبَّانَةِ الَّتِي بِطَرِيقِ مِنًى وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْأَبْطَحُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَقَوْلُهُ أَنَّهُ يُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ بِالْمُحَصَّبِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ عِنْدَهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُحَصَّبِ وَرَقَدَ رَقْدَةً.

وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ الْمُحَصَّبُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ إنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ» وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ «عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: لَمْ يَأْمُرْنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَنْزِلَ بِالْأَبْطَحِ وَلَكِنِّي أَتَيْتُهَا فَضَرَبْت فِيهَا قُبَّتَهُ فَجَاءَ فَنَزَلَ» .

وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إنِّي لَأَسْتَحِبُّ النُّزُولَ بِالْمُحَصَّبِ إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ وَصَدَرَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا بَأْسَ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ.

وَقَدْ «قَالَ ابْنُ عُمَرَ: النُّزُولُ بِالْمُحَصَّبِ سُنَّةٌ أَنَاخَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَالْخَلَفُ» وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِاسْتِحْبَابِ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: أَسْتَحِبُّ لِلْأَئِمَّةِ وَلِمَنْ يَقْتَدِي بِهِ أَنْ لَا يُجَاوِزَهُ حَتَّى يَنْزِلُوا بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ قَدْ فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخَلَفُ فَتَعَيَّنَ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إحْيَاءُ سُنَّتِهِ وَالْقِيَامُ بِهَا لِئَلَّا يُتْرَكَ هَذَا الْفِعْلُ جُمْلَةً وَيَكُونَ لِلنُّزُولِ بِهَذَا الْمَوْضِعِ حُكْمُ النُّزُولِ بِسَائِرِ الْمَوَاضِعِ لَا فَضِيلَةَ لِلنُّزُولِ بِهِ بَلْ لَا يَجُوزُ النُّزُولُ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا قُلْنَا: يُسْتَحَبُّ النُّزُولُ بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ فَأَمَّا مَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا أَعْلَمُ التَّحْصِيبَ يَكُونُ لَهُ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: لَا حَصْبَةَ لِمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ لِمَنْ اسْتَوْفَى الْعِبَادَةَ وَأَتَى بِهَا عَلَى أَكْمَلِ هَيْئَتِهَا فَأَمَّا مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَائِزِ مِنْهَا دُونَ الْفَضِيلَةِ وَتَعَجَّلَ بِتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى وَرَمْيِ الْجِمَارِ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنْ التَّحْصِيبِ فَمِنْ حُكْمِهِ أَنْ لَا يَتَلَوَّمَ عَلَى التَّحْصِيبِ الَّذِي لَا يَقْوَى قُوَّةَ التَّأْخِيرِ فِي الْقُرْبِ وَكَذَلِكَ إذَا وَافَقَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ النَّفْرِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: أُحِبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُقِيمَ بِالْمُحَصَّبِ لِكَيْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ بِأَهْلِ مَكَّةَ.

(فَصْلٌ)

وَمَنْ لَمْ يُقِمْ بِالْمُحَصَّبِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كَانَ مَالِكٌ يَأْمُرُ بِالْمُحَصَّبِ وَيَسْتَحِبُّهُ وَإِنْ شَاءَ مَضَى إذَا صَلَّى بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ حَتَّى يَأْتِيَ مَكَّةَ وَيَدَعَ الْمُقَامَ بِهِ حَتَّى يُمْسِيَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ التَّعْرِيسَ بِهِ وَأَمَّا مَنْ جَهِلَ أَوْ نَسِيَ فَلَمْ يَنْزِلْ بِهِ وَمَضَى كَمَا هُوَ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>