للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ الْحَدُّ فِي الْخَمْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ

ــ

[المنتقى]

فَسَوَّى بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَمَالِكٌ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ مِنْ ضَرُورَةٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩] الْآيَةُ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ نَفْسِهِ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ الْأَكْلِ وَأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْأَكْلِ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ وَمَنْ كَانَ فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْفُرُوضُ الْوَاجِبَةُ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ بَلْ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِهَا فَكَذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ عَلَى التَّخْفِيفِ وَالْعَوْنِ عَلَى الْأَسْفَارِ الْمُبَاحَةِ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ إلَيْهَا فَلَا يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى الْمَعَاصِي وَلَهُ سَبِيلٌ إلَى أَنْ لَا يَقْتُلَ نَفْسَهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَذَلِكَ بِأَنْ يَتُوبَ ثُمَّ يَتَنَاوَلَ لَحْمَ الْمَيْتَةِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ وَقَدْ تَعَلَّقَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٧٣] الْآيَةُ فَاشْتَرَطَ فِي اسْتِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ لِلضَّرُورَةِ أَنْ لَا يَكُونَ بَاغِيًا وَالْمُسَافِرُ عَلَى وَجْهِ الْمُحَارَبَةِ أَوْ قَطْعِ رَحِمٍ أَوْ طَالِبِ إثْمٍ بَاغٍ وَمُتَعَدٍّ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ شَرْطُ الْإِبَاحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ لِجُوعٍ أَوْ عَطَشٍ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَشْرَبَهَا؟ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يَشْرَبُهَا وَلَنْ تَزِيدَهُ إلَّا عَطَشًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ فِي شَرْحِهِ: لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ لِأَنَّهَا لَا تَرْوِي مِنْ عَطَشٍ وَلَا تُغْنِي مِنْ جُوعٍ فِيمَا يُقَالُ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ تُشْبِعُ أَوْ تَرْوِي فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْرَبَهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَالْمَيْتَةِ وَفِي النَّوَادِرِ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ فِيمَنْ غَصَّ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَسِيغَهَا بِالْخَمْرِ وَقَالَهُ أَبُو الْفَرَجِ وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَشْرَبُ الْمُضْطَرُّ الدَّمَ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَلَا يَقْرُبُ ضَوَالَّ الْإِبِلِ وَقَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا التَّدَاوِي فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُدَاوِيَ جِرَاحَهُ بِعِظَامِ الْأَنْعَامِ الْمُذَكَّاةِ وَلَا يُدَاوِيَهُ بِعِظَامِ مَيْتَةٍ أَوْ بِعَظْمِ إنْسَانٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَلَا بِعَظْمِ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مِنْ الدَّوَابِّ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُرْتَكِ يُصْنَعُ مِنْ عِظَامِ الْمَيْتَةِ إنْ جُعِلَ فِي قُرْحَةٍ أَوْ جُرْحٍ فَلَا يُصَلَّى بِهِ حَتَّى يُغْسَلَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ صَلَّى بِهِ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ لِلنَّارِ الَّتِي أَحْرَقَتْهُ وَقَدْ خَفَّفَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا لِلضَّرُورَةِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّدَاوِي وَبَيْنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِلضَّرُورَةِ مَا قَالَهُ وَذَلِكَ أَنَّ التَّدَاوِي لَا يُتَيَقَّنُ الْبُرْءُ بِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَعْمَلَ الْمَحْظُورُ فِيهِ وَأَمَّا الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ لِلْجُوعِ وَالْعَطَشِ فَإِنَّهُ يُتَيَقَّنُ الْبُرْءُ بِهِ فَلِذَلِكَ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي التَّدَاوِي بِالْمُرْتَكِ مِنْ عِظَامِ الْمَيْتَةِ مَعَ مَنْعِهِ مِنْ الصَّلَاةِ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهَا رِوَايَةٌ عَنْهُ فِي التَّدَاوِي بِمَا لَا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ فِي ذَلِكَ مَا فِيهِ الْخِلَافُ وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ الْمَاجِشُونِ جَعَلَ ذَلِكَ طَاهِرًا وَأَمَّا مَا لَا خِلَافَ فِي نَجَاسَتِهِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي اسْتِعْمَالِهِ خَارِجَ الْبَدَنِ فَجَوَّزَهُ مَالِكٌ وَمَنَعَهُ ابْنُ سَحْنُونٍ وَأَمَّا شُرْبُهُ فَيَحْرُمُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ النَّارَ تُطَهِّرُ عِظَامَ الْمَيْتَةِ خِلَافُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْعَظْمَ نَجِسُ الْعَيْنِ وَمَا نَجِسَ لِعَيْنِهِ لَمْ يَطْهُرْ بِوَجْهٍ وَمَا تَنَجَّسَ بِمُجَاوَرَةٍ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْمَاءِ وَمَا رَوَاهُ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>