لظُهُور أَن غرضهم بأمثال هَذَا الْمقَال التَّعْجِيز، وَهُوَ يَقْتَضِي التحضيض، وَبِهَذَا فسره أَكثر الْمُفَسّرين بِنَاء على أَن (أنزل) هَهُنَا فِي تَأْوِيل الْمُضَارع كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لَوْلَا أخرتني} لِأَن المُرَاد اقتراح إِنْزَال الْملك، وَهَذَا مُرَاد من قَالَ: لَوْلَا هُنَا تحضيضية لدخلوها على الْمُضَارع، وَلَو دخلت على الْمَاضِي لكَانَتْ للتوبيخ على ترك الْفِعْل، فَهِيَ هَهُنَا بِمَعْنى الْأَمر
لوما: حرف تحضيض ك (هلا) و (أَلا) وَتَكون أَيْضا حرف امْتنَاع لوُجُود، كَمَا أَن (لَوْلَا) مترددة بَين هذَيْن الْمَعْنيين وَالْفرق بَينهمَا أَن التحضيضية لَا يَليهَا إِلَّا الْفِعْل، ظَاهرا أَو مضمرا والامتناعية لَا يَليهَا إِلَّا الْأَسْمَاء لفظا أَو تَقْديرا عِنْد الْبَصرِيين
لما: هِيَ من حُرُوف الْجَزْم، تسْتَعْمل على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: لنفي الْمَاضِي وتقريب الْفِعْل نَحْو: {وَلما يعلم الله الَّذين جاهدوا}
وَالثَّانِي: للظرف نَحْو: {فَلَمَّا أَن جَاءَ البشير}
وتختص باستغراق أزمنة الْمَاضِي من وَقت الانتفاء إِلَى وَقت التَّكَلُّم بهَا تَقول: (نَدم فلَان وَلما يَنْفَعهُ النَّدَم) ، وَلَا يلْزم حِينَئِذٍ اسْتِمْرَار انْتِفَاء النَّدَم إِلَى وَقت التَّكَلُّم بهَا
و (لما) الدَّاخِلَة على الْمَاضِي حرف وجود لوُجُود يَقْتَضِي جملتين وجدت ثانيتهما عِنْد وجود أولاهما
وَقيل: إِنَّهَا ظرف بِمَعْنى (حِين) ورده ابْن خروف، وَقَالَ ابْن مَالك: ظرف بِمَعْنى (إِذْ) فَاسْتَحْسَنَهُ ابْن هِشَام
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: أعجب الْكَلِمَات كلمة (لما) ، إِن دخل على الْمَاضِي يكون ظرفا، وَإِن دخل على الْمُضَارع يكون حرفا، وَإِن دخل لَا على الْمَاضِي وَلَا على الْمُضَارع يكون بِمَعْنى (إِلَّا) نَحْو: {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} وَلَا تدخل (لما) بِمَعْنى (لم) إِلَّا على الْمُسْتَقْبل كَقَوْلِه تَعَالَى: {بل لما يَذُوقُوا عَذَاب}
ومنفي (لما) يتَّصل بِالْحَال لِأَن (لما يقم زيد) نفي (لقد قَامَ زيد) ، (وَقد قَامَ زيد) إِخْبَار عَن الْمُضِيّ فَكَذَلِك نَفْيه، ومنفي (لم) يحْتَمل الِاتِّصَال بِزَمَان الْإِخْبَار نَحْو: {وَلم أكن بدعائك رب شقيا} فَإِن الْمَعْنى نفي الشَّقَاء عَنهُ مُتَّصِلا بِزَمَان النُّطْق، وَلَيْسَ الْمَعْنى نفي الشَّقَاء عَنهُ فِيمَا مضى، ثمَّ اتَّصل بِهِ الشَّقَاء
وَيحْتَمل الِانْقِطَاع عَن زمَان الْإِخْبَار نَحْو: {لم يكن شَيْئا مَذْكُورا} لِأَن عدم كَونه شَيْئا مَذْكُورا مُنْقَطع عَن زمَان الْإِخْبَار
(ومنفي (لما) لَا يكون إِلَّا قَرِيبا من الْحَال، وَلَا يشْتَرط ذَلِك فِي منفي (لم) تَقول: (لم يكن زيد فِي الْعَام الْمَاضِي مُقيما) ، وَلَا يجوز لما يكن)
ومنفي (لما) متوقع ثُبُوته قَيده الرضي بالأغلب ك (قد) فِي الْإِيجَاب، بِخِلَاف منفي (لم) وَعلة