وَعمل، وصنع فَإِذا سئلنا عَن الْأَفْعَال الْعَامَّة هَل هِيَ متعدية أَو لَازِمَة لم يجز لنا إِطْلَاق القَوْل بِوَاحِد من الْأَمريْنِ لِأَنَّهَا أَعم، والأعم من شَيْئَيْنِ لَا يصدق عَلَيْهِ وَاحِد، فَإِن الْأَعَمّ يصدق على الْأَخَص بِلَا عكس، وَإِنَّمَا يَصح أَن يُقَال ذَلِك عَلَيْهَا بطرِيق الإهمال الَّذِي هُوَ فِي قُوَّة جزئي فَمَتَى وجد فِي كَلَام أحد من الْفُضَلَاء مثلا أَن (عمل) متعدية وَجب حمله على ذَلِك، وَأَن مُرَاده أَنَّهَا قد تكون متعدية. وَكَذَا إِذا قيل: إِنَّهَا لَازِمَة أَو غير متعدية أُرِيد بِهِ اللُّزُوم، كَمَا هُوَ غَالب الِاصْطِلَاح وَوجه الْفرق بَينهمَا أَن تعدِي الْفِعْل إِلَى الْمَفْعُول وُصُول مَعْنَاهُ إِلَيْهِ، فالضرب مثلا تَعديَة بوصول الضَّرْب إِلَى الْمَضْرُوب، وَلَا يلْزم من ذَلِك أَن يكون الضَّارِب مؤثرا فِي ذَات الْمَضْرُوب، أَعنِي موجدا لَهَا وَعمل مثلا تَعديَة بوصول مَعْنَاهُ، وَهُوَ الْعَمَل
وَالْعَمَل معنى عَام فِي الذَّات وصفاتها، فَلذَلِك اقْتضى الْعُمُوم وإيجاد الْمَعْمُول حَتَّى يقوم دَلِيل على خِلَافه، فمثار الْفرق إِنَّمَا هُوَ من مَعَاني الْأَفْعَال ووصولها إِلَى الْمَفْعُول
وَإِذا كَانَ الْفِعْل يتَعَدَّى تَارَة بِحرف الْجَرّ وَتارَة بِنَفسِهِ وحرف الْجَرّ لَيْسَ بزائد فَلَا يجوز فِي تَابعه إِلَّا الْمُوَافقَة فِي الْإِعْرَاب
وَإِذا تعدى الْفِعْل بِحرف الْجَرّ لم يجز حذفه إِلَّا إِذا كَانَ الْمَجْرُور (أَن) و (أَن) المصدريتين فَحَذفهُ إِذن جَائِز باطراد، فَلَا يجوز حذفه مَعَ غَيرهمَا إِلَّا سَمَاعا
والنحويون إِذا أطْلقُوا الْمُتَعَدِّي أَرَادوا بِهِ الناصب للْمَفْعُول بِهِ، وان لم يُرِيدُوا ذَلِك قيدوه بقَوْلهمْ: مُتَعَدٍّ بِحرف الْجَرّ، ومتعد إِلَى الْمصدر، ومتعد إِلَى الظّرْف وَمَا هُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مفعول وَاحِد قد يكون لَازِما بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مفعولين للزومه على الْفَاعِل وَالْمَفْعُول الْوَاحِد وَعدم تعديه إِلَى الْمَفْعُول الآخر فيصلح أَن يكون لَازِما أَي مطاوعا لما هُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مفعولين؛ كَمَا يُقَال: عَلمته الْقُرْآن فتعلمه
وكل فعل حسن إِلْحَاق المكنى بِآخِرهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ نَحْو: (منعته، وضربتك، وَمَنَعَنِي) وَمَا أشبه ذَلِك
وَإِن لم يحسن الْإِلْحَاق فَهُوَ لَازم نَحْو: ذهب، وَقعد
وَمن الْأَفْعَال أبنية لَازِمَة لَا يتَعَدَّى مِنْهَا شَيْء، وَهِي مَا جَاءَ على وزن كرم وَعز، وَصَحَّ من بَاب التَّضْعِيف وحور يحور، وَعين بِعَين، من الأجوف الَّذِي جَاءَ على التَّمام وَمَا جَاءَ على انفعل ينفعل فَهَذِهِ سِتَّة أبنية كلهَا لَازم لَا يتَعَدَّى مِنْهُ شَيْء وَسَائِر الْأَبْنِيَة المتشعبة تتعدى وَتلْزم وأبواب الرباعي كلهَا متعدية إِلَّا دربخ
وأبواب الخماسي كلهَا لَازِمَة إِلَّا افتعل وَتفعل، وتفاعل، فَإِنَّهَا مُشْتَركَة بَين اللَّازِم والمتعدي
وأبواب السداسي كلهَا لَازِمَة أَيْضا إِلَّا (استفعل) فَإِنَّهُ مُشْتَرك
وأفعال الْحَواس الْخمس كلهَا متعدية لِأَنَّهَا وضعت للإدراك، وكل وَاحِد مِنْهَا يَقْتَضِي مَفْعُولا تَقْتَضِيه تِلْكَ الحاسة
وَأَسْمَاء الْأَفْعَال لَهَا فِي التَّعَدِّي واللزوم حكم الْأَفْعَال الَّتِي هِيَ بمعناها، إِلَّا أَن الْبَاء تزاد فِي مفعولها كثيرا نَحْو: (عَلَيْك بِهِ) لِضعْفِهَا فِي الْعَمَل، فتعدى بِحرف عَادَته إِيصَال اللَّازِم إِلَى الْمَفْعُول
[وكل شَيْء يبْعَث بِنَفسِهِ فالفعل يتَعَدَّى إِلَيْهِ بِنَفسِهِ فَيُقَال: بعثته وكل شَيْء لَا يبْعَث بِنَفسِهِ كالكتاب