للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ بَعضهم: اللَّفْظ إِذا ظهر المُرَاد مِنْهُ فَإِن لم يحْتَمل النّسخ فَحكم، وَإِلَّا فَإِن لم يحْتَمل التَّأْوِيل فمفسر، وَإِلَّا فَإِن سيق الْكَلَام لأجل ذَلِك المُرَاد فنص، وَإِلَّا فَظَاهر وَإِذا خَفِي لعَارض أَي لغير الصِّيغَة فخفي وَإِن خَفِي لنَفسِهِ أَي لنَفس الصِّيغَة فَأدْرك عقلا فمشكل أَو نقلا فمهمل، أَو لم يدْرك أصلا فمتشابه فَالظَّاهِر هُوَ مَا انْكَشَفَ واتضح مَعْنَاهُ للسامع من غير تَأمل وتفكر كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَأحل الله البيع} وضده الْخَفي وَهُوَ الَّذِي لَا يظْهر المُرَاد مِنْهُ إِلَّا بِالطَّلَبِ

وَالنَّص: مَا فِيهِ زِيَادَة ظُهُور سيق الْكَلَام لأَجله وَأُرِيد بالإسماع ذَلِك باقتران صِيغَة أُخْرَى بِصِيغَة الظَّاهِر كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَأحل الله البيع وَحرم الرِّبَا} سيق هَذَا النَّص للتفرقة بَينهمَا، وَهُوَ المُرَاد بالإسماع؛ لِأَن الْكَفَرَة كَانُوا يدعونَ الْمُمَاثلَة بَينهمَا فورد الشَّرْع بالتفرقة، فالآية ظَاهِرَة من حَيْثُ إِنَّه ظهر بهَا إحلال البيع وَتَحْرِيم الرِّبَا، وإسماع الصِّيغَة من غير قرينَة نَص فِي التَّفْرِقَة بَينهمَا، حَيْثُ أُرِيد بالإسماع ذَلِك بِقَرِينَة دَعْوَى الْمُمَاثلَة

والمشكل على خلاف النَّص وَهُوَ اللَّفْظ الَّذِي اشْتبهَ المُرَاد مِنْهُ بِحَيْثُ لَا يُوقف على المُرَاد مِنْهُ بِمُجَرَّد التَّأَمُّل

والمفسر: اسْم للظَّاهِر المكشوف الَّذِي اتَّضَح مَعْنَاهُ وَالنَّص وَالظَّاهِر والمفسر سَوَاء من حَيْثُ اللُّغَة

والمجمل: مَا لَا يُوقف على المُرَاد مِنْهُ إِلَّا بِبَيَان من جِهَة الْمُتَكَلّم نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة} فَإِنَّهُ مُجمل فِي مَاهِيَّة الصَّلَاة وَمِقْدَار الزَّكَاة

والمشترك: اسْم متساو بَين المسميات يَتَنَاوَلهَا على الْبَدَل، فَإِذا تعين بعض وُجُوه الْمُشْتَرك بِدَلِيل غير مَقْطُوع بِهِ - وَهُوَ الرَّأْي وَالِاجْتِهَاد - فَهُوَ مؤول

وَمَتى أُرِيد بالمشترك أَو الْمُشكل أَو الْمُجْمل بعض الْوُجُوه قطعا يُسمى مُفَسرًا

ثمَّ اعْلَم أَن الْمُتَشَابه على ثَلَاثَة أضْرب: ضرب لَا سَبِيل إِلَى الْوُقُوف عَلَيْهِ كوقت السَّاعَة وَنَحْو ذَلِك

وَضرب للْإنْسَان سَبِيل إِلَى مَعْرفَته كالألفاظ الغريبة وَالْأَحْكَام المغلقة

وَضرب (مُتَرَدّد بَين الْأَمريْنِ) يخْتَص بِمَعْرِِفَة حَقِيقَته بعض الراسخين فِي الْعلم وَيخْفى على من دونهم وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِابْنِ عَبَّاس: " اللَّهُمَّ فقهه فِي الدّين وَعلمه التَّأْوِيل "، (وَإِذا عرفت هَذَا فقد وقفت) على أَن الْوَقْف على قَوْله: {وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله} وَوَصله بقوله: {والراسخون فِي الْعلم} كِلَاهُمَا جَائِز

ثمَّ اعْلَم أَن كل لفظ من الْقُرْآن أَفَادَ معنى وَاحِدًا جليا يعلم أَنه مُرَاد الله تَعَالَى فَمَا كَانَ من هَذَا الْقسم فَهُوَ مَعْلُوم لكل أحد بِالضَّرُورَةِ وَأما مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله فَهُوَ مِمَّا يجْرِي مجْرى الْغَيْب، فَلَا مساغ للِاجْتِهَاد فِي تَفْسِيره، وَلَا طَرِيق إِلَى ذَلِك إِلَّا بالتوقيف بِنَصّ من الْقُرْآن أَو الحَدِيث أَو الْإِجْمَاع على تَأْوِيله وَأما مَا يُعلمهُ الْعلمَاء فَيرجع إِلَى

<<  <   >  >>