اجتهادهم
وكل لفظ احْتمل مَعْنيين فَصَاعِدا فَهُوَ الَّذِي لَا يجوز لغير الْعلمَاء الِاجْتِهَاد فِيهِ وَعَلَيْهِم اعْتِمَاد الشواهد والدلائل دون مُجَرّد الرَّأْي فَإِن كَانَ أحد الْمَعْنيين أظهر وَجب الْحمل عَلَيْهِ إِلَّا أَن يقوم دَلِيل على أَن المُرَاد الْخَفي، وَإِن اسْتَويَا والاستعمال فيهمَا حَقِيقَة لَكِن فِي أَحدهمَا حَقِيقَة لغوية أَو عرفية وَفِي الآخر شَرْعِيَّة فالحمل على الشَّرْعِيَّة أولى إِلَّا أَن يدل دَلِيل على إِرَادَة اللُّغَوِيَّة وَلَو كَانَ فِي أَحدهمَا عرفية وَفِي الآخر لغوية فالحمل على الْعُرْفِيَّة أولى، وَإِن اتفقَا فِي ذَلِك، فَإِن لم يُمكن إرادتهما بِاللَّفْظِ الْوَاحِد اجْتهد فِي المُرَاد مِنْهُمَا بالأمارات الدَّالَّة عَلَيْهِ فَمَا ظَنّه فَهُوَ مُرَاد الله تَعَالَى فِي حَقه وَإِن لم يظْهر لَهُ شَيْء فَهَل يتَخَيَّر فِي الْحمل أَو يَأْخُذ بالأغلظ حكما أَو بالأخف حكما فِيهِ أَقْوَال، وَإِن أمكن إرادتهما وَجب الْحمل عَلَيْهِمَا عِنْد الْمُحَقِّقين. [وَالْحكمَة فِي أَن الْعلم بِمُرَاد الله تَعَالَى مستنبط بأمارات وَدَلَائِل هِيَ من الله أَرَادَ أَن يتفكر عباده بكتابه فَلم يَأْمر نبيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بالتنصيص على المُرَاد فِي جَمِيع آيَاته
ومسلك الْأَوَائِل أَن يُؤمنُوا بالمتشابهات ويفوضوا مَعْرفَتهَا إِلَى الله وَرَسُوله وَلذَلِك سموا بالمفوضة
ومسلك الْأَوَاخِر أَن يؤولوها بِمَا ترتضيه الْعُقُول وَلذَلِك سموا بالمؤولة، وهم قِسْمَانِ: قسم أَصْحَاب الْأَلْفَاظ يؤولونها بِالْحملِ على الْحَذف كَمَا فِي: {وَجَاء رَبك} [ {فَأتى الله بنيانهم} أَو على الْمجَاز الْمُفْرد كَمَا فِي: {يَد الله فَوق أَيْديهم} أَي: قدرَة الله
وَقسم أَصْحَاب الْمعَانِي يؤولونها بِالْحملِ على التَّمْثِيل والتصوير وَالْمُخْتَار التَّفْوِيض لِأَن اللَّفْظ إِذا كَانَ لَهُ معنى رَاجِح ثمَّ دلّ دَلِيل أقوى مِنْهُ على أَن ذَلِك الظَّاهِر غير مُرَاد علم أَن مُرَاد الله بعض مجازات تِلْكَ الْحَقِيقَة، وَفِي المجازات كَثْرَة، وترجيح الْبَعْض لَا يكون إِلَّا بالتراجيح اللُّغَوِيَّة الظنية، وَمثل ذَلِك لَا يَصح الِاسْتِدْلَال بِهِ فِي الْمسَائِل القطعية فيفوض تَعْبِير ذَلِك المُرَاد إِلَى علمه تَعَالَى، فَجَمِيع أهل السّنة سلفهم وخلفهم صرفُوا المتشابهات من مَعَانِيهَا الْحَقِيقِيَّة إِلَى المجازات، إِمَّا اجمالا بِنَفْي الكيفيات وتفويض تعْيين الْمَعْنى الْمجَازِي المُرَاد إِلَى الله تَعَالَى مُطلقًا، أَو بِتَعْيِين نوع الْمجَاز وَهُوَ الصّفة وتفويض تعْيين تِلْكَ الصّفة إِلَى الله تَعَالَى وَهُوَ أسلم وَهُوَ مُخْتَار الإِمَام أبي حنيفَة، وَصرح بِهِ الْأَشْعَرِيّ وَأكْثر السّلف وَإِمَّا تَفْصِيلًا بِتَعْيِين المُرَاد بِحَسب الظَّاهِر من المجازات، وَهُوَ مُخْتَار الْخلف، وَهُوَ أحكم
قَالَ التَّفْتَازَانِيّ: وَقد يُقَال: إِن التَّوَقُّف عَن تَأْوِيل التشابه إِنَّمَا هُوَ عَن طلب الْعلم حَقِيقَة لَا ظَاهرا
وَالْأَئِمَّة إِنَّمَا تكلمُوا فِي تَأْوِيله ظَاهرا لَا حَقِيقَة، وَبِهَذَا يُمكن أَن يرفع نزاع الْفَرِيقَيْنِ
الْمُطلق: هُوَ مَا يتَنَاوَل الْأَفْرَاد على سَبِيل الْبَدَل ك (رجل) مثلا
وَالْعَام: مَا يتَنَاوَل جَمِيع الْأَفْرَاد
وَالْمُطلق: هُوَ الدَّال على الْمَاهِيّة من غير دلَالَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute