للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأُمُور]

النَّبِي: فِي الأَصْل صفة، مَرْوِيّ بِالتَّخْفِيفِ فِي السَّبع، وَلِهَذَا دخله اللَّام، وَهُوَ بِغَيْر همزَة من النُّبُوَّة كالرحمة وَهِي الرّفْعَة وَالْحق أَنه مَهْمُوز اللَّام من النبأ، وَهُوَ خبر ذُو فَائِدَة عَظِيمَة يحصل بِهِ علم أَو غَلَبَة ظن، وَحقه أَن يتعرى عَن الْكَذِب

قَالَ الرَّاغِب: وَلَا يُقَال للْخَبَر (فِي الأَصْل) نبأ حَتَّى يتَضَمَّن هَذِه الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة وَحَدِيث النَّهْي عَن المهموز مَنْسُوخ لزوَال سَببه، وَإِنَّمَا جمع على أَنْبيَاء وصحيح اللَّام يجمع على (فعلاء) كظرفاء، لِأَنَّهُ للُزُوم التَّخْفِيف صَار مثل المعتل ك (أصفياء) وَلَا يصغر، لِأَن تَصْغِير الْأَسْمَاء المعظمة مُمْتَنع شرعا

وَأما مُسَمَّاهُ فِي الْعرف: فَهُوَ حر، ذكر، من بني آدم، سليم من منفر، مَعْصُوم وَلَو من صَغِيرَة سَهوا قبل النُّبُوَّة وَعَن كل رذيلة، أكمل معاصريه غير الرُّسُل، اصطفاه الله من بَين عباده، وَخَصه بِهِ بمشيئته موهبة مِنْهُ وَرَحْمَة، وَأوحى إِلَيْهِ بشرع، سَوَاء أمره بتبليغه أم لَا وَلَو أَمر بِمَعْرِِفَة وجود الْخَالِق وتعظيمه وَدُعَاء النَّاس إِلَى تَوْحِيد الله وتنزيهه عَمَّا لَا يَلِيق بالألوهية، وَبلغ الْأَحْكَام إِلَيْهِم فَرَسُول، سَوَاء كَانَ لَهُ كتاب أَو نسخ لبَعض شرع من قبله أم لَا فالرسول أخص مُطلقًا من النَّبِي، وَلَا يُطلق على غير الْآدَمِيّ كالملك وَالْجِنّ إِلَّا مُقَيّدا وَمِنْه {جَاعل الْمَلَائِكَة رسلًا} على أَن معنى الْإِرْسَال فِيهَا لَيْسَ إيحاء مَا يتعبد بِهِ هُوَ وَأمته كَمَا فِي الرَّسُول من الْبشر، بل مُجَرّد الْإِرْسَال للْغَيْر بِمَا يوصله إِلَيْهِ، وَقَوله تَعَالَى: {يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس ألم يأتكم رسل مِنْكُم} فَمن بَاب ذكر الْكل وَإِرَادَة الْبَعْض لَا من قبيل {نسيا حوتهما} ، و {يخرج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ والمرجان} (وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لعَائِشَة: " لَو مت قبلي لغسلتك وكفنتك " فَإِن كل ذَلِك بِاعْتِبَار ضرب شركَة من الآخر، وَالنِّسْبَة كَمَا تستقيم بِالْمُبَاشرَةِ تستقيم بالتسبيب والإعانة، وَلِهَذَا صَحَّ التَّعْلِيق ب (إِذا ولدتما ولدا) ، أَو (إِذا حضتما حَيْضَة) لِإِمْكَان الْمُبَاشرَة من أَحدهمَا والإعانة من الآخر كَمَا هُوَ الْمُتَعَارف بَينهم فِيمَا إِذا أضيف فعل إِلَى شَخْصَيْنِ واستحال وجوده مِنْهُمَا أَن يَجْعَل الْإِضَافَة إِلَيْهِمَا إِضَافَة إِلَى أَحدهمَا مجَازًا

ثمَّ الْمَعْرُوف فِي الشَّرْع إِطْلَاق الرَّسُول وَالنَّبِيّ على كل من أرسل إِلَى الْخلق وجدت أَحْكَامه بِالْفِعْلِ أَو لم تُوجد، مَعَ أَن انتساخ بعض جزئيات شريعتهم لَا يَسْتَدْعِي كَون رسالتهم مَنْسُوخَة، لِأَنَّهَا لَيست بِمُجَرَّد تِلْكَ الْأَحْكَام وَقد وجد التَّصْرِيح ببقائها من الْأَئِمَّة الْكِبَار وَصرح فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وَمن قبله كتاب مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَة}

<<  <   >  >>