للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى أمرنا أن نتدبر القرآن وحثنا على عقله وفهمه، فكيف مع ذلك يراد منا الإعراض عن إدراكه ومعرفته؟ فإنه على قول هؤلاء يكون الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص، ولا الملائكة، ولا السابقون الأولون، وحينئذ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه، بل ويقولون كلاما لا يعقلونه، ومعلوم أن هذا قدح في القرآن والأنبياء، إذ كان الله أنزل القرآن وأخبر أنه جعله هدى، وأمر الناس بتدبره وعقله، ومع هذا فأشرف ما فيه وهو ما أخبر به الرب عن صفاته لا يعلم أحد معناه، فلا يعقل ولا يتدبر، ولا يكون الرسول بين للناس ما أنزل إليهم، ولا بلغ البلاغ المبين، فيبقى هذا الكلام سداً لباب الهدى والبين من جهة الأنبياء، وفتحا لباب الزندقة والإلحاد، وبهذا يتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من أشر أقوال أهل البدع والإلحاد وقوله: فإذا قيل لهم لم تأولتم هذا وأقررتم هذا؟ الخ.. يعني أن الأشاعرة مثلا حين ما يتأولون قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتان} فينفون صفة اليد بينما يقرون مدلول قوله تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فيصفون الله بصفة السمع والبصر، كما هو مدلول النص إذا سئلوا عن الفرق بين مدلول- بل يداه مبسوطتان- ومدلول- وهو السميع البصير- لم يستطيعوا أن يجيبوا إجابة صحيحة، بل غاية ما عندهم أن يقولوا إثبات اليدين حقيقة لله يقتضي تشبيهه بالمخلوقين فيقال لهم حينئذ: واثبات السمع والبصر لله يقتضي مشابهته للمخلوقين، فإذا قالوا: السمع والبصر متصف بهما الله، وهما على ما يليق به ويناسب ذاته، ولا يماثل فيهما صفات المخلوقين، قيل لهم: وهو سبحانه، متصف باليدين، وهي على ما يليق به ويناسب ذاته، ولا يماثل فيها صفات المخلوقين، وهكذا القول في سائر الصفات.

<<  <  ج: ص:  >  >>