للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مذهب القدرية والجهمية في الوعد والوعيد]

قوله:

وأما المعتزلة، فهم ينفون الصفات، ويقاربون قول جهم لكنهم ينفون القدر: فهم وإن عظموا الأمر والنهي، والوعد والوعيد وغلوا فيه مكذبون بالقدر ففيهم نوع من الشرك من هذا الباب، والإقرار بالوعد والوعيد مع إنكار القدر خير من الإقرار بالقدر مع إنكار الأمر والنهي والوعد والوعيد، ولهذا لم يكن في زمن الصحابة والتابعين من ينفي الأمر والنهي والوعد والوعيد ولكن نبغ فيهم القدرية، كما نبغ فيهم الخوارج والحرورية، وإنما يظهر من البدع أولا ما كان أخفى وكلما ضعف من يقوم بنور النبوة قويت البدعة. فهؤلاء المتصوفون الذين يشهدون الحقيقة الكونية مع إعراضهم عن الأمر والنهي شر من القدرية المعتزلة ونحوهم. أولئك يشبهون المجوس، وهؤلاء يشبهون المشركين الذين قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} والمشركون شر من المجوس، فهذا أصل عظيم، على المسلم أن يعرفه، فإنه أصل الإسلام الذي يتميز به أهل الإيمان من أهل الكفر وهو الإيمان بالوحدانية والرسالة "شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله" وقد وقع كثير من الناس في الإخلال بحقيقة هذين الأصلين أو أحدهما مع ظنه أنه في غاية التحقيق والتوحيد، والعلم والمعرفة، فإقرار المرء بأن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه لا ينجيه من عذاب الله، إن لم يقترن به إقراره بأنه لا إله إلا الله فلا يستحق العبادة أحد إلا هو، وأن محمدا رسول الله فيجب تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر فلابد كل من الكلام في هذين الأصلين.

ش: بعد أن بين المؤلف رأي الجهمية القائلين بالتعطيل والجبر والإرجاء شرع في بيان مذهب المعتزلة كعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء الغزال وأضرابهما فذكر أن القدرية وإن قاربوا جهما في التعطيل إلا أنهم يقولون أنه لا يغفر لمرتكب الكبيرة إلا بالتوبة وأن أهل الكبائر مخلدون في

<<  <  ج: ص:  >  >>