إذا عرف ذلك، فتأويل ما أخبر الله تعالى به عن نفسه المقدسة المتصفة بما لها من حقائق الأسماء والصفات، هو حقيقة لنفسه المقدسة، المتصفة بما لها من حقائق الصفات، وتأويل ما أخبر الله به تعالى من الوعد والوعيد هو نفس ما يكون من الوعد والوعيد. ولهذا ما يجيء في الحديث نعمل بمحكمه ونؤمن بمتشابهه، لأن ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر، فيه ألفاظ متشابهة تشبه معانيها ما نعلمه في الدنيا، كما أخبر أن في الجنة لحماً ولبناً، وعسلاً وخمراً ونحو ذلك. وهذا يشبه ما في الدنيا لفظاً ومعنى، ولكن ليس هو مثله ولا حقيقته. فأسماء الله تعالى وصفاته أولى، وأن كان بينها وبين أسماء العباد وصفاتهم تشابه لا يكون لأجلها الخالق مثل المخلوق، ولا حقيقته كحقيقته. والإخبار عن الغائب لا يفهم أن لم يعبر عنه بالأسماء المعلومة معانيها في الشاهد، ويعلم بها ما في الغائب بواسطة العلم بما في الشاهد، وفي الغائب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فنحن إذا أخبرنا الله بالغيب الذي اختص به: من الجنة والنار علمنا معنى ذلك وفهمنا ما أريد منا فهمه بذلك الخطاب وفسرنا ذلك.
وأما نفس الحقيقة المخبر عنها مثل التي لم تكن بعد، وإنما تكون يوم القيامة فذلك من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله. ولهذا لما سئل مالك وغيره من السلف عن قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قالوا: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".
وكذلك قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك قبله:"الاستواء معلوم، والكيف مجهول، ومن الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا الإيمان" فبين أن الاستواء معلوم، وأن كيفية ذلك مجهولة.