وقد تقدم أن نفي ما ينفي عنه سبحانه، نفي متضمن للنفي والإثبات إذ مجرد النفي لا مدح فيه ولا كمال، فإن المعدوم يوصف بالنفي والمعدوم لا يشبه الموجودات وليس هذا مدحا، لأن مشابهة الناقص في صفات النقص نقص مطلقا كما أن مماثلة المخلوق في شيء من الصفات تمثيل وتشبيه ينزه عنه الرب تبارك وتعالى والنقص ضد الكمال، وذلك مثل أنه قد علم أنه حي والموت ضد ذلك، فهو منزه عنه، وكذلك النوم والسنة ضد كمال الحياة، فإن النوم أخو الموت، وكذلك اللغوب نقص في القدرة والقوة، وأكل والشرب ونحو ذلك من الأمور فيه افتقار إلى موجود غيره، كما أن الاستعانة بالغير والاعتضاد به ونحو ذلك تتضمن الافتقار إليه والاحتياج إليه، وكل من يحتاج إلى من يحمله أو يعينه على قيام ذاته وأفعاله فهو مفتقر إليه ليس مستغنيا عنه بنفسه فكيف من يأكل ويشرب، والآكل والشارب أجوف، والمصمت الصمد أكمل من الآكل والشارب، ولهذا كانت الملائكة صمدا لا تأكل ولا تشرب، وقد تقدم أن كل كمال ثبت لمخلوق فالخالق أولى به وكل نقص تنزه عنه المخلوق فالخالق أولى بتنزيهه عن ذلك، والسمع قد نفى ذلك في غير موضع، كقوله تعالى:{اللَّهُ الصَّمَدُ} والصمد الذي لا جوف له، ولا يأكل ولا يشرب، وهذه السورة هي نسب الرحمن، أو هي الأصل في هذا الباب. وقال في حق المسيح وأمه:{مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} ، فجعل ذلك دليلا على نفي الألوهية، فدل ذلك على تنزيهه عن ذلك بطريق الأولى والأحرى. والكبد والطحال ونحو ذلك هي أعضاء الأكل والشرب، فالغني المنزه عن ذلك منزه عن آلات ذلك بخلاف اليد فإنها للعمل والفعل وهو سبحانه موصوف بالعمل والفعل، إذ ذاك من صفات الكمال، فمن يقدر أن يفعل أكمل ممن لا يقدر على الفعل، وهو سبحانه منزه عن الصاحبة والولد وعن آلات ذلك