ش: بعد أن مثل المؤلف بصفة الوجود والأولية والغنى المطلق والقوة والقدرة والحياة والقيومية وأن إثبات هذه الأوصاف مستلزم لنفي أضدادها أردف يقول: ومجمل القول أنه قد ورد في النصوص من أسماء الله الحسنى وأوصافه العليا ما هو ثابت معلوم، وإثبات ذلك مستلزم لنفي ضده كالعلم مع الجهل والكلام مع الخرس والسمع مع الصمم وأشباه ذلك ونفي الشيء إثبات لضده كالظلم مع العدل ونفي المثيل والكفء والشريك إثبات للوحدانية والتفرد بالخلق والتدبير والكمال المطلق: فإثبات أحد الضدين نفي للآخر ولما يستلزمه ولقد أحسن القائل:
وسيأتي بعد هذا في كلام الشيخ أمثلة توضح هذا المقام، والعاقل بما وهبه الله من عقل سليم يدرك ذلك فهي قضية بدهية ضرورية، وحينئذ فطرق تنزيه الله عما لا يليق به متعددة ليست منحصرة فيما يدعيه أهل الجهل والتفريط من أن نفي التشبيه يكفي في إثبات ما لم يرد من الصفات، أو أنه يعتمد عليه في نفي ما ورد بحجة التنزيه كما هي طريقة الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وأضرابهم. فقد أثبت البعض شيئا ونفى شيئا والبعض منهم نفى الجميع، ولاشك أن هذه الطوائف قد تناقضت في مقالاتها وفرقت بين الأمور المتماثلة في الحكم. وأخذ بعضها يحتج على البعض الآخر بما يوافقه فيه. ثم إنهم لم يستفيدوا من دعوى التنزيه ونفي التشبيه إلا تنقص رب العالمين وتشبيهه بالناقصات، فقد فروا من تشبيهه سبحانه بالأحياء الكاملين، على زعمهم أن إثبات صفاته تشبيه، فوقعوا في التشبيه بالجماد والمعدوم والممتنع، شأنهم في ذلك شأن القرامطة النافين الإثبات والنفي، زعما منهم أن الإثبات يلزم منه التشبيه بالموجودات والنفي يلزم منه التشبيه بالمعدومات، فوقعوا في تشبيهه بالممتنعات. وحينئذ فتنزيه الله عما لا يليق به لا يكون بوصفه بأوصاف النقص، كما لا يكون بنفي أوصاف الكمال.