ولا منافاة بين القولين عند التحقيق. فإن لفظ "التأويل" قد صار بتعدد الاصطلاحات مستعملاً في ثلاثة معان "أحدها" وهو اصطلاح كثير من المتأخرين من المتكلمين في الفقه وأصوله "أن التأويل" هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، لدليل يقترن به، وهذا هو الذي عناه أكثر من تكلم من المتأخرين في تأويل نصوص الصفات، وترك تأويلها، وهل ذلك من محمود أو مذموم، أو حق أو باطل؟. "الثاني": أن التأويل بمعنى التفسير، وهذا هو الغالب على اصطلاح المفسرين للقرآن كما يقول ابن جرير وأمثاله من المصنفين في التفسير واختلف علماء التأويل، ومجاهد أمام المفسرين، قال الثوري: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به، وعلى تفسيره يعتمد الشافعي وأحمد والبخاري وغيرهم، فإذا ذكر أنه يعلم تأويل المتشابه فالمراد به معرفة تفسيره. "الثالث": من معاني التأويل هو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، كما قال الله تعالى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} . فتأويل ما في القرآن من أخبار المعاد هو ما أخبر الله به فيه مما يكون من القيامة والحساب والجزاء والجنة والنار ونحو ذلك، كما قال الله تعالى في قصة يوسف لما سجد له أبواه وإخوته، قال:{يا أَبَتِ هَذَا تأويل رُؤْياي مِنْ قَبْلُ ... } فجعل عين ما وجد في الخارج هو تأويل الرؤيا.