للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مخالفة الجبرية للعقل والقياس]

...

قوله:

وأما مخالفتهم لضرورة العقل والقياس، فإن الواحد من هؤلاء لا يمكنه أن يطرد قوله فإنه إذا كان مشاهدا للقدر من غير تمييز بين المأمور والمحظور فعومل بموجب ذلك مثل أن يُضرب ويُجاع حتى يبتلى بعظيم الأوصاف والأوجاع فإن لام من فعل ذلك به وعابه، فقد نقض قوله وخرج عن أصل مذهبه، وقيل له هذا الذي فعله بك مقتضي مقدور، فخلق الله وقدره ومشيئته متناول لك وله وهو يعمكما فإن كان القدر حجة لك فهو حجة لهذا، وإلا فليس بحجة لا لك ولا له، فقد تبين بضرورة العقل فساد قول من ينظر إلى القدر ويعرض عن الأمر والنهي.

ش: يعني أن هؤلاء المتصوفة المجبرة الناظرين إلى الحقيقة القدرية والمشيئة العامة غير مشاهدين لأمر الله ونهيه ولا مفرقين بين ما يحبه الله ويبغضه، ليسوا على قاعدة مستمرة ولا رأي ثابت بل هم متناقضون مخالفون للحقائق العقلية والاعتبارات الصحيحة. فإنه لا يوجد أحد يحتج بالقدر في ترك الواجب وفعل المحرم إلا وهو متناقض لا يجعله حجة في مخالفة هواه بل يعادي من آذاه وإن كان محقا ويحب من وافقه على غرضه وإن كان عدوا لله، فيكون حبه وبغضه وموالاته ومعاداته بحسب هواه وغرضه وذوق نفسه، لا بحسب أمر الله ونهيه، ولا يمكن أن يجعل القدر حجة لأحد فإن هذا مستلزم للفساد الذي لا صلاح معه والشر الذي لا خير فيه، إذ لو جاز أن يحتج كل أحد بالقدر لما عوقب معتد ولا اقتص من ظالم ولا أخذ لمظلوم حقه من ظالمه، ولفعل كل أحد ما يشتهيه من غير معارض يعارضه فيه، وحينئذ فكلام هؤلاء ساقط ورأيهم متهافت مخالف لما هو معلوم بضرورة العقل والقياس، فإن الجائع يفرق بين الخبز والشراب، والعطشان يفرق بين الماء والسراب فيحب ما يشبعه ويرويه دون ما لا ينفعه والجميع مخلوق لله تعالى. قال الشيخ: "ومن المعلوم أن من أسقط الأمر والنهي الذي بعث الله به رسله فهو كافر باتفاق المسلمين فإن هؤلاء قولهم

<<  <  ج: ص:  >  >>