للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله:

وبهذا وغيره يعرف ما وقع من الغلط في مسمى "التوحيد" فإن عامة المتكلمين الذين يقررون التوحيد في كتب الكلام والنظر، غايتهم أن يجعلوا التوحيد ثلاثة أنواع، فيقولون هو واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا شبيه له وواحد في أفعاله لا شريك له، واشهر الأنواع الثلاثة، عندهم هو الثالث، وهو توحيد الأفعال، وهو أن خالق العالم، واحد وهم يحتجون على ذلك بما يذكرونه من دلالة التمانع وغيرها، ويظنون أن هذا هو التوحيد المطلوب، وأن هذا هو معنى قولنا "لا إله إلا الله" حتى يجعلوا معنى الإلهية، القدرة على الاختراع ومعلوم، أن المشركين من العرب الذين بعث إليهم محمدصلى الله عليه وسلم أولا لم يكونوا يخالفونه في هذا، بل كانوا يقرون بأن الله خالق كل شيء، حتى إنهم كانوا يقرون بالقدرة أيضا، وهم مع هذا مشركون.

فقد تبين أن ليس في العالم من ينازع في أصل هذا الشرك ولكن غاية ما يقال، أن من الناس من جعل بعض الموجودات خلقا لغير الله كالقدرية وغيرهم، لكن هؤلاء يقرون بأن الله خالق العباد وخالق قدرتهم، وإن قالوا أنهم خالقو أفعالهم.

وكذلك أهل الفلسفة والطبع والنجوم الذين يجعلون بعض المخلوقات مبدعة لبعض الأمور، هم مع الإقرار بالصانع يجعلون هذه الفاعلات مصنوعة مخلوقة، لا يقولون أنها غنية عن الخالق، مشاركة له في الخلق فأما من أنكر الصانع، فذاك جاحد معطل للصانع، كالقول الذي أظهره فرعون، والكلام الآن مع المشركين بالله، المقرين بوجوده فإن هذا التوحيد الذي قرروه لا ينازعهم فيه هؤلاء المشركون، بل يقرون به مع أنهم مشركون، كما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع، وكما علم بالاضطرار من دين الإسلام، وكذلك النوع الثاني وهو قولهم: لا شبيه له في صفاته فإنه ليس في الأمم من أثبت قديما مماثلا له في الاستواء، وقال إنه

<<  <  ج: ص:  >  >>