"فصل" وأما المثلان المضروبان فإن الله سبحانه وتعالى أخبر عما في الجنة من المخلوقات من أصناف المطاعم والملابس، والمناكح والمساكن، فاخبر أن فيها لبناً وعسلا، وخمراً، وماء، ولحماً وحريراً وذهباًٍِ وفضة، وفاكهة وحوراً وقصوراً، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء، وإذا كانت تلك الحقائق التي أخبر الله عنها هي موافقة في الأسماء للحقائق الموجودة في الدنيا وليست مماثلة لها، بل بينهما من التباين ما لا يعلمه إلا الله تعالى فالخالق سبحانه وتعالى أعظم مباينة للمخلوقات من مباينة المخلوق للمخلوق، ومباينته لمخلوقاته أعظم من مباينة موجود الآخرة لموجود الدنيا، إذ المخلوق أقرب إلى المخلوق الموافق له في الاسم من الخالق إلى المخلوق، وهذا بين واضح.
ش: بعد أن فرغ المؤلف من بيان الأصلين المتضمنين بيان إثبات الأسماء والصفات لله مع نفي المماثلة للمخلوقات، شرع في بيان المثلين المضروبين المتضمنين لبيان ذلك أيضا والمثل هو كما قال المبرد قول يشبه سائر يشبه به حال الثاني بالأول والأصل فيه التشبيه فقولهم: مثل بين يديه إذا انتصب معناه أشبه الصورة المنتصبة وفلان أمثل من فلان أي أشبه بماله من الفضل، فحقيقة المثل ما جعل كالعلم للتشبيه بحال الأول كقول كعب بن زهير: