الصفات والقدر والوعيد فهو شبيه برأي كثير في طوائف المتكلمين الذين يوجد في آرائهم شيء من الصواب وشيء من مخالفة الشرع، والجبر: لفظ مجمل فإنه يقال جبر الأب ابنته على النكاح وجبر الحاكم الرجل على بيع ما له لوفاء دينه. ومعنى ذلك أكرهه ليس معناه جعله مريدا لذلك مختارا محبا له راضيا به، ومن قال أن الله تعالى جبر العباد بهذا المعنى فهو مبطل فإن الله أعلى وأجل قدرا في أن يجبر أحدا، وإنما يجبر غيره العاجز عن أن يجعله مريدا للفعل مختارا له راضيا به، والله سبحانه قادر على ذلك فهو الذي جعل المريد للفعل المحب له راضيا به فكيف يقال أجبره وأكرهه كما يجبر المخلوق المخلوق؟ وإذا أريد بالجبر خلق ما في النفوس من الاعتقادات فهذا المعنى صحيح، قال الأوزاعي وغيره: ليس في الكتاب والسنة لفظ جبر وإنما في السنة لفظ (جبل) كما في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس لما قدم عليه وفد عبد القيس من البحرين: "إن فيك لخلقين يحبهما الله الحلم والأناة فقال أخلقين تخلقت بهما أم خلقين جبلت عليهما قال بل جبلت عليهما، فقال الحمد لله الذي جبلني على ما يحب " ومن أجل ذلك أنكر الأوزاعي والثوري وأحمد وغيرهم من السلف لفظ الجبر في النفي والإثبات، ومن المعلوم بالضرورة أن الأفعال تنقسم إلى ما ينفع العباد والى ما يضرهم ولله قد بعث رسوله صلى الله عليه وسلم يأمر المؤمنين بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، فمن لم يتبع شرع الله ودينه تبع ضده من الأهواء والبدع وكان احتجاجه بالقدر من الجدل بالباطل، ليدحض به الحق. والإرجاء هو التأخير ولذلك سمي أصحاب هذا الرأي بالمرجئة لأنهم أخروا الأعمال عن الإيمان حيث زعموا أن مرتكب الكبيرة غير فاسق، وأن الناس في الإيمان سواء فإيمان أفسق الناس كإيمان الأنبياء وأن الأعمال الصالحة ليست من الإيمان، ويكذبون بالوعيد والعقاب بالكلية، وشبهتهم الواهية هي مثل قولهم الإيمان في اللغة هو التصديق والرسول إنما خاطب الناس بلغة العرب لا بغيرها فيكون مراده بالإيمان التصديق، ثم قالوا والتصديق إنما يكون بالقلب واللسان أو القلب فقط، فالأعمال ليست في الإيمان. قال الشيخ: والمرجئة ثلاثة أصناف: الصنف الأول من يقول الإيمان مجرد ما في القلب. والثاني: من يقول هو مجرد قول اللسان وهذا لا يعرف لأحد قبل الكرامية. والثالث: من يقول هو تصديق القلب وقوة اللسان وهذا هو المشهور عن مرجئة الفقهاء. والحق أن الإيمان قوة وعمل، قول باللسان وإقرار واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح مع الإخلاص بالنية الصادقة، وكل ما يطاع الله عز وجل به من فريضة ونافلة فهو من الإيمان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعاصي. وأهل الذنوب مؤمنون غير مستكملي الإيمان من أجل ذنوبهم، وإنما صاروا ناقصي الإيمان بارتكابهم الكبائر. والخوارج والمعتزلة يقولون أن الدين والإيمان قول وعمل واعتقاد ولكن لا يزيد ولا ينقص، ومن أتى كبيرة كفر عند الحرورية وصار فاسقا عند المعتزلة في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن ولا كافر، وأما الحكم فالمعتزلة وافقوا الخوارج على حكمهم في الآخرة فعندهم أن من أتى كبيرة فهو خالد مخلد في النار لا يخرج منها لا بشفاعة ولا بغير شفاعة، أما في الدنيا فالخوارج حكموا بكفر العاصي واستحلوا دمه وماله وأما المعتزلة فحكموا بخروجه من الإيمان ولم يدخلوه في الكفر ولم يستحلوا منه ما استحله الخوارج، وقابلتهم المرجئة والجهمية ومن اتبعهم فقالوا ليس من الإيمان فعل الأعمال الواجبة ولا ترك المحظورات البدنية، فإن الإيمان لا يقبل الزيادة والنقصان بل هو شيء واحد، والنجارية هم أصحاب الحسين بن محمد النجار وهم وإن اختلفوا أصنافا إلا أنهم لم يختلفوا في المسائل العامة، والضرارية هم أصحاب ضرار بن عمرو، الذي ظهر في أيام واصل بن عطاء، والحارث هو ابن أسد المحاسبي الزاهد الناطق بالحكمة صاحب المصنفات في التصوف والأحوال وهو أحد شيوخ الجنيد وكانت وفاته سنة ثلاث وأربعين ومائتين، وأبو العباس القلانسي هو أحد متكلمي أهل السنة في القرن الثالث، وله كتب ورسائل عديدة، والكرامية هم أصحاب أبي عبد الله محمد ابن كرام الذي ظهر ونشر بدعته في أيام محمد بن طاهر بن عبد لله.