بالرسالة وهي خبر يطابق عقد القلب وتصديقه وهذا إنما يخبر به الإنسان عن نفسه لعلمه بحاله بخلاف إخباره عن غيره فإنه إنما يخبر عن قوله ونطقه لا عن عقد قلبه والله أعلم، "وقد جاء لفظ الحمد في بعض الروايات بغير النون وفي حديث ابن عباس نحمده بالنون مع أن الحمد لا يتحمله أحد عن أحد ولا يقبل النيابة فإن كانت هذه اللفظة محفوظة فيه فقد جاءت بهذه الصيغة لتكون ألفاظ الحمد والاستعانة والتعوذ والاستغفار على نسق واحد" وقوله: "من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له" يعني أن الهداية والإضلال بيد الله يهدي من يشاء بفضله ورحمته ويضل من يشاء بعدله وحكمته وهو أعلم بمواقع فضله وعدله وهو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى وله في ذلك الحكمة البالغة والحجة الدامغة:
قال الله تعالى:{مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وقال: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} وقال: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانهِمْ يَعْمَهُونَ} وقال: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أولِياءَ مِنْ دُونِهِ} إلى أمثال هذه الآيات الكريمة الدالة علي هذا المعنى: فمن العباد الشقي وهو من أضله بعدله ومنهم السعيد وهو من وفقه وهداه بفضله فلله الحمد على فضله وعدله.
وهذه الخطبة كثيراً ما يفتتح بها المؤلفون كتبهم اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان في غالب أحواله يفتتح خطبه بخطبة الحاجة وذلك والله أعلم لما اشتملت عليه من صدق اللجاء إلى الله وطلب العون منه والاعتماد عليه والتبري من الحول والقوة إلا به سبحانه والإقرار بوحدانيته وطلب المغفرة منه والاستعانة به من شرور النفس وسيئات الأعمال.