جاهلا فهم مثل هذا أو توهمه لبين له أن هذا لا يجوز، وأنه لم يدل اللفظ عليه أصلا، كما لم يدل على نظائره في سائر ما وصف به الرب نفسه.
ش: يقول المؤلف: أن استواء الله سبحانه لا يمكن أن يكون مثل استواء المخلوق إلا لو كانت ذاته مثل ذوات المخلوقين. فلو قدر على سبيل الفرض الممتنع أن الذات مثل الذوات لأمكن أن يكون الاستواء مثل الاستواء، ومن المعلوم بالضرورة أن ذاته سبحانه لا تماثل الذوات. وقد علم بالضرورة أنه الخالق للعرش ولغيره، وأنه الغني عنا سواه وكل شيء فهو مفتقر إليه، وهو سبحانه أضاف استواءه إلى نفسه. فهو على ما يليق به، وهكذا القول في سائر ما وصف به الرب نفسه. فإن إضافته إليه تقتضي عدم صلاحيته لغيره أو تناوله لسواه، ومن ظن أن قول الأئمة أن الله مستو على عرشه حقيقة يقتضي أن يكون استواؤه مثل استواء العبد على الفلك والأنعام، لزمه أن يكون قولهم أن الله له علم حقيقة وسمع حقيقة وبصر حقيقة، وكلام حقيقة يقتضي أن يكون علمه وسمعه وبصره وكلامه مثل المخلوقين وسمعهم وبصرهم وكلامهم. وهذا ما لم يقولوه أصلا. وإذا كان كذلك فكيف يتوهم في حقه سبحانه ما هو من خصائص المخلوقين؟ وكيف يظن أنه يلزم من استوائه على العرش حاجته إليه؟ ما هذا إلا ضلال بين وجهل واضح ممن فهمه أو ظنه ظاهر نصوص الاستواء ومدلولها. فبعداً لهؤلاء المكابرين للمعقولات والمتجنين على النصوص من زعماء الابتداع ورؤساء الضلال. ولو قدر أن أحداً ممن لا يفهم معاني النصوص ولا يعلم مدلولاتها توهم أن ظاهرها يقتضي مماثلة الله بخلقه لبين لهذا الجاهل أن هذا ليس هو مراد الله بكلامه، ولا هو مقتضى العقل والفطرة ولم يدل عليه النص البتة، وإنما صرحت النصوص بنفي مماثلته لخلقه سبحانه وتعالى