للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ش: لما بين المؤلف أن الآية الكريمة لا تقتضي ظرفية السماء للخالق سبحانه وأن حرف"في" يختلف معناه بحسب ما أضيف إليه ذكر بعد ذلك أن ذوي العقول السليمة والفطر المستقيمة يفهمون بمقتضى فطرتهم أن معنى كون الله سبحانه في السماء أنه عال على مخلوقاته، وهكذا قصد الجارية من قولها: "في السماء" إنما أرادت علوه سبحانه فوق جميع المخلوقات، ولم تتوهم أبداً أو تظن أن السماء تحصره وتحيط به، وهكذا سائر سلف الأمة وأئمتها، لم يتوهموا هذا المعنى بل لا يظن هذا أو يتوهمه إلا من انتكست فطرته وعميت بصيرته. وإذا أطلق العلو فالمراد به العلو على جميع المخلوقات وليس معنى ذلك أن هناك ظرفا موجودا فوق العرش فليس معنى كونه في السماء أنه داخل في شيء يحيط به فضلا عن أن يحتاج له. وضرب المؤلف لذلك مثلا بأنه العرش يوصف بأنه في السماء دون أن يقتضي ذلك أن يكون داخل في ظرف وجودي يحيط به إذ قد علم أنه سقف جميع المخلوقات. ثم ذكر أن السماء إذا فسرت بالأجرام السماوية فالمراد بكون الله فيها أنه عليها، وهو أسلوب معروف في اللغة، وقد ورد به القرآن الكريم، كما في الآيات التي استشهد فيها المؤلف. وقد حكى البيهقي عن أبي بكر الضبعي قال العرب تضع"في" موضع"على" كقوله {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} . وقوله: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} فكذلك قوله: {أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} أي على العرش فوق السماء كما صحت الأخبار بذلك. وقال مثل ذلك غير واحد وقوله للجارية "أين الله؟ " هذا حديث صحيح روى من طرق متواترة على معاوية بن الحكم السلمي قال: "كانت لي غنم بين أحد والجونية فيها جارية لي فأطلقتها ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة منها فأسفت فصككتها، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فعظم ذلك على فقلت يا رسول الله أفلا أعتقها؟

<<  <  ج: ص:  >  >>