المتأخرون من الفقهاء والأصوليين عن ترجيح المعنى الضعيف الخفي على المعنى الظاهر، لدليل من الكتاب والسنة اقتضى ذلك الترجيح، ومن أمثلته عندهم ما رواه البخاري والترمذي وصححه من قوله صلى الله عليه وسلم "الجار أحق بصقبه" فإنه ظاهر في ثبوت الشفعة للجار الملاصق والمقابل أيضاً مع احتمال أن المراد به الجار الشريك المخالط أما حقيقة أو مجازاً، لكن هذا الاحتمال ضعيف بالنسبة إلى الظاهر فلما نظرنا إلى قوله عليه السلام "إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة" رواه البخاري وأبو داود والترمذي صار هذا الحديث مقويا لهذا الاحتمال الضعيف في الحديث المتقدم، حتى ترجح على ظاهره فقدمناه وقلنا لا شفعة إلا للشريك المقاسم، وحملنا عليه الجار في الحديث الأول. وطوائف المبتدعة قد استعملوا هذا المعنى الاصطلاحي في نصوص الصفات فقالوا "لا بد من صرف النص عن المعنى الذي هو مقتضى لفظه إلى معنى آخر لأن إثبات الصفات لله يقتضي مشابهته لخلقه" وأنت ترى أنهم لم يصرفوا النص عن معنى راجح إلى معنى مرجوح، لدليل اقترن بذلك وإنما حرفوا الكلام عن مواضعه، وألحدوا في أسماء الله وصفاته لشبهة فاسدة، ورأي كاسد لا سند له من كتاب أو سنة أو عقل سليم وفطرة سليمة. وهذا النوع من التأويل هو الذي عناه من تكلموا وبحثوا في صحة التأويل أو إفساده وكونه حقاً أو باطلاً، وهل يذم أو يمدح؟ ولا شك في فساده وبطلانه وذمه وتبديع أهله فإنه مخالف لصريح الكتاب والسنة، إذ التأويل المقبول هو ما دل على مراد المتكلم.
والثاني من معاني التأويل هو التفسير، وكثيراً ما يعبر المفسرون عن التفسير بالتأويل. وقد استشهد المؤلف على ذلك بعبارة ابن جرير الطبري في تفسيره، واختلف علماء التأويل، يريد علماء التفسير ومن عباراته: القول في تأويل قوله تعالى يريد تفسير قوله تعالى. والشاهد من قوله "ومجاهد أمام المفسرين فإذا ذكر أنه يعلم تأويل المتشابه فالمراد به معرفة