بالأسماء المعلومة معانيها في الشاهد، فنحن نعرف أشياء بحسب الظاهر أو الباطن، ثم إنا بمعقولنا نعتبر الغائب بالشاهد، فيبقى في أذهاننا قضايا عامة كلية، فلولا أننا نشهد من أنفسنا جوعاً وعطشاً وشبعاً وريا وحباً وبغضاً ولذةً ورضاً وسخطاً لم نعرف حقيقة ما خوطبنا به إذا وصف لنا وأخبرنا به وكذلك لو لم نعلم ما في الشاهد من حياة وقدرة وعلم وكلام ونحو ذلك لم نفهم ما نخاطب به وحينئذ فبين موجودات الدنيا وموجودات الآخرة مشابهة وموافقة واشتراك من بعض الوجوه، وبها فهمنا المراد وأحببناه ورغبنا فيه وبينهما مباينة ومفاضلة لا يقدر قدرها في الدنيا، بل هي داخلة تحت قوله تعالى:{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر مصداق ذلك في كتاب الله فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءاً بما كانوا يعملون" وإذا كان هذا في هذين المخلوقين فالأمر في الخالق والمخلوق أعظم، فإن مباينة الله لخلقه وعظمته وكبريائه أعظم وأكبر مما بين مخلوق ومخلوق، فإذا كانت صفات ذلك المخلوق مع مشابهتها لصفات هذا المخلوق بينهما من التفاضل والتباين مالا نعلمه ولا يمكن أن نعلمه في الدنيا بل هو من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، فصفات الخالق عز وجل أولى أن يكون بينها وبين صفات المخلوق من التباين والتفاضل مالا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى. فنحن نفهم ما أخبرنا الله به من صفات المخلوقين ونعلم تفسيره، ونعلم معنى العسل واللحم واللبن والحرير والذهب والفضة ونفرق بين مسميات هذه الأسماء: وما حقائقها على ما هي عليه فلا يمكن أن نعلمها حتى تكون الساعة، بل هذا من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، ولهذا كان قول من قال: أن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله حقاً، وقول من قال "أن الراسخين في العلم يعلمون تأويله