الصدق من الكذب في إخباره والرشد من الغي في أوامره. والمحكم منه ما كان كذلك. وقد سمى الله القرآن حكيما كما في آية يونس، كما أنه يقص ويفتي، ويهدي ويبشر، وقد استشهد المؤلف على ذلك بآية يوسف، والنساء، والإسراء، فالقرآن كله محكم أي أنه كلام متقن فصيح يميز بين الحق والباطل والصدق والكذب، وهذا هو الإحكام العام، والمتشابه لغة مأخوذ من التشابه، وهو أن يشبه أحد الشيئين الآخر لما بينهما من التناسب.
وتشابه الكلام هو تماثله وتناسبه، بحيث يصدق بعضه بعضا. وقد وصف الله القرآن كله بأنه متشابه على هذا المعنى كرا في آية الزمر. فالقرآن كله متشابه أي يشبه بعضه بعضا في الكمال والجودة، ويصدق بعضه بعضا في المعنى، وهذا هو التشابه العام. وكل من المحكم والمتشابه بمعناه المطلق لا ينافي الآخر. فالقرآن كله محكم بمعنى الإتقان، وهو متماثل يصدق بعضه بعضا. فإذا أمر بأمر لم يأمر بنقيضه في موضع آخر، وإنما يأمر به أو بنظيره أو يلازمه كأمره بالصلاة فإنك لا تجده في موضع آخر ينهى عنها،
وإنما يأمر بها نفسها أو يأمر بنظيرها من العبادات كالزكاة، أو يأمر بشيء من لوازمها كالوضوء، وكذلك الشأن في نواهيه وأخباره. فإذا نهى عن الشرك لم تجده في موضع آخر يأمر به وإنما ينهى عنه أو عن نظيره؟ كنهيه عن ضرب الأمثال له المذكور في قوله تعالى:{فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} أو ينهى عن شيء من لوازمه: كنهيه عن الوسائل المفضية إليه، وإذا أخبر عمن أطاعه أو عصاه من الأمم وماذا عمل بهم أو أعد لهم لم تجده في موضح آخر ينفي هذا الخبر. كما أنه إذا نفى عن نفسه الند والشريك والسنة والنوم، وأشباه ذلك. لم تجده في موضع آخر يثبت ما نفى. وقوله إذا لم يكن هناك نسخ يعني كما في آية التخير للمقيم بين الصوم والفطر مع الفدية مع أيجاب آية الصوم عزما. وكالوصية للوالدين والأقربين المنسوخة بآية المواريث، وكالصلاة إلى القدس المنسوخة بالتوجه إلى الكعبة.