وثار من الشبهة الثانية مذاهب القدرية والجبرية. فالمعتزلة غلوا في توحيدهم حتى وصلوا إلى التعطيل بنفي الصفات، والروافض غلوا في النبوة والإمامة، حتى وصلوا إلى الحلول. وقد قال تعالى:{وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَان أنهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} .
وقد جاء في الآثار تشبيه كل أمة ضالة من هذه الأمة بأمة ضالة من الأمم السابقة فشبهت القدرية بالمجوس، والمشبهة باليهود، والروافض بالنصارى. وبعد أن عرف المؤلف الشبهات ذكر أن القياس الفاسد من جملتها، وعرفه بقوله لأنه تشبيه للشيء في بعض الأمور بما لا يشبهه فيه ومن أوتي العلم بالفصل بين الأمور المتشابهة لم يلتبس عليه الحق بالباطل.
ومما هو معلوم أن ما من شيئين إلا وبينها اشتباه من وجه، وهو القدر المشترك، وافتراق من وجه آخر، وهو الفارق الذي يزيل الاشتباه؟ وذلك مثل جنس الوحي والتنزيل، قال تعالى:{إنا أوحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أوحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} وقال عز وجل: {وَإن الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أولِيائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} وقال سبحانه: {وَإنهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} وقال: {"هَلْ أنبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} . فالكهان والمتنبئون، والأنبياء والمرسلون، قد اشتركوا في جنس الوحي والتنزيل، ولكن مع الفارق المميز بين من هو كاذب في قوله فاجر في عمله، ينزل عليه وحي الشيطان بالخبث والبهتان، ومن هو صادق في قوله، بر في عمله، ينزل عليه وحي الرحمن بواسطة الروح الأمين ليحيي به الأرواح والأبدان، ويرشد به إلى ما يصلح أمور الدنيا والدين، ومثل العرش والبعوض، فكل منهما شيء موجود فهما مشتركان في مسمى الشيء والوجود مع اختلافهما في الذات والصفات.
والخطأ في تأويل النص تفسيره بغير مراد المتكلم به وتحريفه عن