لإثباتهم جميع الصفات والأشاعرة صفاتية بالنسبة لإثباتهم بعضها، والجميع خصوم للمعتزلة والجهمية، والمعنى أن المعتزلة والجهمية إذا أطلقوا على إثبات الصفات اسم التشبيه والتمثيل كان هذا الإطلاق حسب اعتقادهم الذي ينازعهم فيه المثبتون ثم يقول لهم المثبتون: افرضوا أيها النفاة أن إثبات حقائق الأسماء والصفات لله سبحانه قد يسمى في اصطلاحكم تشبيها لله بخلقه، فهذا المعنى لم ينفه دليل صحيح أو عقل صريح، والواجب نفي ما نفاه الكتاب والسنة وإثبات ما أثبته الكتاب والسنة وقد ورد في النصوص الكفء والند والمثل لله، والصفات التي وصف بها الرب نفسه أو وصفه بها رسوله ليست كفؤا له ولا مثلا ولا ندا, فلا تدخل فيما نفته النصوص، فليس في لغة العرب تسمية صفة الموصوف كفؤا أو ندا أو مثلا له، ثم إن العقل الصريح الخالي من لوثة الإلحاد وأمراض الشبه لم ينف أسماء الله وصفاته التي سمت المعتزلة والجهمية إثباتها تشبيها، قال الشيخ: إذا علم الرجل بالعقل أن محمدا رسول الله وعلم أنه أخبر بشيء ووجد في عقله ما ينازعه في خبره كان عقله يوجب عليه أن يسلم موارد النزاع إلى من هو أعلم به منه وأن لا يقدم رأيه على قوله ويعلم أن عقله قاصر بالنسبة إليه وأنه أعلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته واليوم الآخر منه، وأن التفاوت الذي بينهما في العلم بذلك أعظم من التفاوت الذي بين العامة وأهل العلم بالطب فإذا كان عقله يوجب أن ينقاد لطبيب يهودي فيما أخبره به من مقدرات الأغذية والأشربة والأضمدة والمسهلات واستعمالها على وجه مخصوص مع ما في ذلك من الكلفة والألم لظنه أن هذا أعلم بهذا منه وأنه إذا صدقه كان ذلك أقرب إلى حصول الشفاء له مع علمه بأن الطبيب يخطئ كثيرا وإن كثيرا من الناس لا يشفى بما يصفه الطبيب بل قد يكون استعماله لما يصفه سببا في هلاكه ومع هذا يقبل قوله ويقلده وإن كان ظنه واجتهاده قد يخالف وصفه، فكيف حال الخلق مع الرسل عليهم الصلاة والسلام؟، والرسل صادقون مصدقون لا يجوز أن يكون خبرهم على خلاف ما أخبروا به قط، وأن الذين يعارضون