ش: يقول الشيخ: وأفسد من الطريق السابق وهو الاعتماد في تنزيه الله على مجرد النفي. أفسد من ذلك الطريق الذي يعتمدون عليه في تنزيه الله عن النقائص والعيوب كالحزن والبكاء واللغوب والقول بأنه استراح بعد خلقه السماوات والأرض والقول بأن يده مغلولة وأشباه هذه الأقوال التي هي من أعظم الكفر وأشنع الضلال. إذا أراد نفاة الصفات أو نفاة بعضها أن ينزهوا الله سبحانه عن هذه النقائص وأن يردوا على أصحابها. اعتمدوا في ردهم على نفي الجسمية والتحيز ونحو ذلك كالتركيب. فمثلا: إذا أرادوا أن يردوا على اليهود القائلين بأن الله بكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه ثم عادته الملائكة إلى غير ذلك من أوصاف النقص التي وصفوا الله بها. أو على النصارى القائلين بإلهية عيسى. أو على غلاة الشيعة القائلين بإلهية على. قالوا لو كان الله متصفا بهذه الصفات التي ذكرتم لكان جسما أو متحيزا والله منزه عن أن يكون جسما أو متحيزا. وبسلوكهم هذا المسلك الفاسد. تطاول عليهم الفلاسفة ونحوهم من الملاحدة. قال الشيخ: ومن هنا دخلت الملاحدة الباطنية على المسلمين حتى ردوا عن الإسلام خلقا عظيما فصاروا يقولون لمن نفى شيئا عن الرب مثل من ينفي بعض الصفات، أو جميعها أو الأسماء: لم نفيت هذا؟ فيقول لأن ذلك يستلزم التشبيه والتجسييم فيقولون وهذا اللازم يلزمك فيما أثبته فيحتاج أن يوافقهم على النفي شيئا بعد شيء حتى ينتهي أمره إلى أن لا يعرف الله بقلبه ولا يذكره بلسانه ولا يعبده ولا يدعوه، فالملاحدة ألزموهم في النصوص نصوص المعاد نظير ما ادعوه في نصوص الصفات: فقالوا لهم نحن نعلم بالاضطرار أن الرسول جاء بمعاد الأبدان وقد علمنا فساد الشبهة المانعة منه: فكيف يجوز أن يكون ما أخبر به من الصفات ليس كما أخبر به من المعاد وما أخبر به من المعاد هو على ما أخبر به؟
قال الشيخ: ولهذا كان ابن النفيسة المتطبب الفاضل يقول ليس إلا مذهبان مذهب أهل السنة أومذهب الفلاسفة: فأما هؤلاء المتكلمون