أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر"، وقد ذكر عن آدم أبي البشر أنه استغفر ربه وتاب إليه فاجتباه ربه فتاب عليه وهداه وعن إبليس أبي الجن أنه أصر متعلقا بالقدر، فلعنه وأقصاه فمن أذنب وتاب وندم فقد أشبه أباه ومن أشبه أباه فما ظلم، قال الله تعالى:{وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً، لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} ، ولهذا قرن الله سبحانه بين التوحيد والاستغفار في غير آية كما قال تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إله إلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} ، وقال تعالى:{فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} ، وقال تعالى:{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ، أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ، وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} ، وفي الحديث الذي رواه ابن أبي عاصم وغيره: "يقول الشيطان: أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار، فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء فهم يذنبون ولا يتوبون لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا"، وقد ذكر الله سبحانه عن ذي النون أنه {نَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إله إلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} ، قال تعالى:{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوة أخي ذي النون ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربه".
ش: يعني أن الناظرين إلى القدر المعرضين عن الشرع قد أخطئوا الصواب واتبعوا غير سبيل المؤمنين فإن واجب المؤمن الذي فرضه الله عليه، هو فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه والصبر على ما قدره لله وقضاه من المصائب، كما في آية آل عمران وآية يوسف، وإذا فحقيقة تقوى الله هي فعل المأمور واجتناب المحظور والصبر على المقدور كما في آية غافر، فقد أمر الله فيها بفعل الطاعات والصبر والندم والإقلاع والعزم على ترك الذنوب وطلب العفو من الرحمن الرحيم، والعباد كلهم مأمورون بأن يتوبوا إلى الله