يمكن أحدهم ويكون له نوع من الحال باطنا وظاهرا، ويعطى من المكاشفات والتأثيرات ما لم يعطه الصنف الأول ولكن لا عاقبة له، فإنه ليس من المتقين والعاقبة للتقوى، فالأولون لهم دين ضعيف ولكنه مستمر باق إن لم يفسده صاحبه بالجزع والعجز، وهؤلاء لأحدهم حال وقوة، ولكن لا يبقى له إلا ما وافق فيه الأمر واتبع فيه السنة. وشر الأقسام من لا يعبده ولا يستعينه فهو لا يشهد أن عمله لله ولا أنه بالله.
ش: لما بين المؤلف أنه لابد في باب القدر مع الصبر من عبادة الله والاستعانة به وأن الله قد قرن بينهما في مواضع عديدة من كتابه وأن العبادة لا تستقيم ولا تصح إلا بالإخلاص والمتابعة، ذكر بعد ذلك أن الناس في عبادة الله والاستعانة به أصناف أربعة أحدها - وهو المحمود - من جمع بين عبادة الله والاعتماد عليه فاستعان بالله واستقام على طاعته وهؤلاء هم الذين حققوا قوله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، وقوله سبحانه:{فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} فاستعانوا به على طاعته وشهدوا أنه إلههم الذي لا يجوز أن يعبد إلا إياه واعتقدوا أنه ربهم الذي ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع وفهموا معنى قوله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} ، وقوله:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} ، وقوله:{قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} ، والثاني: من عنده تعبد وورع وتحر لاتباع الشرع ولكن عنده إلى جانب ذلك ضعف وخور فلا صبر له وليس عنده استعانة بالله ولا توكل عليه وهؤلاء هم قوم ينظرون إلى جانب الأمر والنهي ويشاهدون إلهية الرب سبحانه الذي أمروا أن يعبدوه غير ناظرين إلى جانب القضاء والقدر والتوكل والاستعانة، فهم مع حسن قصدهم وتعظيمهم لحرمات الله ولشعائره يغلب عليهم الضعف والعجز والخذلان لأن الاستعانة بالله والتوكل عليه واللجوء إليه هي التي تقوي العبد وتيسر