الرحيم فقال:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} وليس الرؤوف كالرؤوف، ولا الرحيم كالرحيم، وسمى نفسه بالملك فقال:{الملك القدوس} وسمى بعض عباده بالملك فقال: {وَكان وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يأخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً}{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ} وليس الملك كالملك. وسمى نفسه بالمؤمن المهيمن، وسمى بعض عباده بالمؤمن فقال:{أَفَمَنْ كان مُؤْمِناً كَمَنْ كان فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} وليس المؤمن كالمؤمن. وسمى نفسه بالعزيز فقال:{الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} وسمى بعض عباده بالعزيز، فقال:{قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيز} وليس العزيز كالعزيز. وسمى نفسه الجبار المتكبر وسمى بعض خلقه بالجبار المتكبر فقال:{كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} وليس الجبار كالجبار، ولا المتكبر كالمتكبر ونظائر هذا متعددة.
ش: هذا تمثيل للقاعدة السابقة وهي أن الله سمى نفسه باسم الحي كما في قوله: {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} والمخلوق يسمى باسم الحي كما في قوله {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} ولكن لكل منهما ما أضيف إليه من اسم الحي المتضمن صفة الحياة لا يشركه الآخر فيه.
فالآية الأولى أضيف الاسم فيها إلى الله فلا يشركه مخلوق في ذلك. والآية الثانية أضيف فيها الاسم إلى المخلوق، فلا يشركه الخالق في مدلوله الخاص وحينئذ فالخالق والمخلوق لا يتفقان إلا في الاسم والمعنى المطلق "كالحي ضد الميت " فكل من الخالق والمخلوق يسمى بحي ضد ميت، وفي هذا يكون الاشتراك فقط: وأما الحياة المضافة إلى الله فهي خاصة به حيث أنها كاملة ولم يبقها عدم ولن يطرأ عليها فناء، وحياة المخلوق تخصه فهي ناقصة حيث وهبت له بعد أن كان عدماً، ثم إنه يصير إلى الفناء والزوال وهذا معنى قول المؤلف، وليس الحي كالحي.