للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذهب بعض العلماء إلى أن السلم المؤجل مستثنى من النهي عن بيع ما ليس عند البائع؛ للنصوص الواردة في إباحته، وذهب الشافعي إلى أن السلم بيع لما في الذمة، وبيع ما ليس عندك بيع لما في الأعيان١، فافترقا.

ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية ما قدمناه أولاً في المراد في النهي عن بيع ما ليس عندك، وهو أن يبيع في الذمة ما ليس هو مملوكًا له، أو يملكه لكن لا يقدر على تسليمه؛ فالعندية ليست عندية الحس والمشاهدة، وإنما هي عندية الحكم والتمكين٢.

وبيع ما ليس عندك من قسم القمار والميسر؛ لأنه قصد أن يربح على هذا لما باعه ما ليس عنده، والمشتري لا يعلم أنه يبيعه ثم يشتري من غيره.

وأكثر الناس لو علموا لم يشتروا منه، بل يذهبون هم فيشترون من حيث اشترى هو، وإن قدر أن منهم من يعلم ويشتري؛ كما لو كانت عنده؛ لكونه يشتريها من مكان بعيد، أو يشتري جملة ونحو ذلك مما قد يتعسر على المشتري منه، وإنما يفعل ذلك إذا ظن أن هذا الربح هو الربح لو كانت عنده.

وليست المخاطرة الموجودة في بيع ما ليس عندك مخاطرة تجارة، وإنما مخاطرة ميسر وقمار، وذلك يتضمن أكل أموال الناس بالباطل، وهي كمخاطرة بالبيع قبل القدرة على التسليم؛ كبيع الثمار قبل بدو صلاحها، أو بيع حبل الحبلة، أو بيع العبد الآبق، وغير ذلك ... فإذا اشترى التاجر السلعة، وصارت عنده ملكًا، وقبضها فحينئذ دخل في خطر التجارة الذي لا بد منه، وباع بيع التجارة كما أحلها الله تعالى٣.


١ انظر الرسالة للشافعي (ص ٣٣٩-٣٤٠) .
٢ تهذيب السنن (٩/٢٩٩) .
٣ انظر تفسير آيات أشكلت (٢/٧٠٠-٧٠٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>