للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما فرق الشارع بين حكم الخمر إذا تخللت بنفسها وإذا تخللت بفعل آدمي؛ لأن الشارع نهى عن اقتناء الخمر، وأمر بإراقتها، فإذا قصد التخليل كان قد فعل محرمًا، والعين إذا كانت محرمة لم تصر محللة بالفعل المنهي عنه؛ لأن المعصية لا تكون سببًا للنعمة والرحمة، فكان من العدل ردع المحتال على المحرم لتحليله بمعاملته بنقيض قصده؛ كمن قتل مورثه، فإنه لا يرثه، بخلاف ما لو مات حتف أنفه١.

ونهي عن بيع الخمر؛ قطعًا لها، ومنعًا من انتشارها بين المسلمين؛ لما فيها من الأضرار الكثيرة التي ذكر الله بعضها في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} ٢.

والقيام ببيع الخمر من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عنه في قوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} ٣.

فيجب على المسلمين الاحتساب في منع بيعها في المجتمع المسلم؛ لأنه وسيلة إلى إفساده، وأما أهل الذمة فإنهم لا يمنعون من بيعها بشرط أن يكون ذلك سرًا، ولا يبيعوها لمسلم٤.

وقد أخذ جمهور العلماء أيضًا من نهي الشارع عن بيع الخمر النهي عن بيع كل نجس؛ لكون الخمر نجسة.

وقد سبق الكلام في بيع النجاسات عند الحديث عن حكم بيع الميتة٥.


١ انظر: موقف الإسلام من الخمر (ص١٥٨-١٥٩) .
٢ الآيات (٩٠-٩١) من سورة المائدة.
٣ الآية (٢) من سورة المائدة.
٤ انظر في هذا: الفتاوى لابن تيمية (٢٨/٦٦٥،٦٦٧) ، أحكام أهل الذمة (٢/٧٢٧) .
٥ ص ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>