تكادُ أُخرى دموعي من تسرُّعها ... تفيضُ قبلَ الأُلى أنْ ينحدرْنَ معا
وغاضَ عنها كثيراً راجعاً حذراً ... ولنْ ترى قاتلاً كالدَّمعِ إن رجعا
وقال أبو نواس:
يا قمراً أبصرْتُ في مأتمٍ ... يندبُ شجواً بينَ أترابِ
تبكي فتُذري الدُّرَّ من عينها ... وتلطمُ الوردَ بعنَّابِ
وقال أيضاً:
تقولُ غداةَ البينِ عندَ وداعها ... ليَ الكبدُ الحرَّى فسرْ ولكَ الصَّبرا
وقدْ سبقتْها عبرةٌ فدموعها ... علَى خدِّها بيضٌ وفي نحرها صفرُ
وقال بعض الأعراب:
عشيُّ وداع قبِّحتْ من عشيَّةٍ ... ولكنَّها لا قُبِّحتْ من مُودَّعِ
كأنَّ انحدارَ الدَّمعِ منها تعدُّهُ ... لها ذاتُ سلكٍ قيلَ عُدِّي وأسرعي
وقال ابن الدمينة:
أفي كلِّ يومٍ أنتَ رامٍ بلادها ... بعينيْنِ إنساناهُما غرقانِ
إذا اغروْرَقَتْ عينايَ قال صحابتي ... لقدْ أُولعَتْ عيناكَ بالهملانِ
ألا فاحملاني باركَ اللهُ فيكُما ... إلى حاضرِ الرَّوحاءِ ثمَّ ذراني
وقال الركاض الزبيري:
فيا مَنْ لعينٍ قد أضرَّ بها البُكا ... فهلْ حاولتْ من طولِ ما سجمَتْ تعمى
وقلبٍ كئيبٍ لا يزالُ كأنَّما ... يُقلَّبُ في أعراضهِ ميسمٌ مُحْمى
وقال البحتري:
دنتْ فدنا هجرانُها فإذا نأتْ ... غدا وصلُها المطلوبُ أنأى وأسحقا
وما ربَّما بلْ كلَّما عنَّ ذكرُها ... بكيْتَ فأبكيتَ الحمامَ المُطوَّقا
وقال آخر:
عرِّجْ بذي سلمٍ ففيهِ المنزلُ ... ليقولَ صبٌّ ما أرادَ ويفعلُ
سارتْ مقدَّمةُ الدُّموعِ وخلَّفتْ ... حُرقاً توقَّدُ في الحشا ما ترحلُ
إنَّ الفراقَ كما علمْتَ فخلِّني ... ومدامعاً تسعُ الفراقَ وتفضلُ
إلاَّ يكنْ صبرٌ جميلٌ فالهوى ... نشوانُ يجملُ فيه ما لا يجملُ
ولبعض أهل هذا العصر:
ولمَّا وقفنا للوداعِ وبيننا ... أحاديثُ يُعْيي الحاسبينَ عديدُها
تبادرَ دمعي فانصرفْتُ تهضُّني ... إلى عبرتي بُقيا عليكَ أذودُها
فما أشبهتْ عينايَ إلاَّ سحابةً ... دنا صرْبُها واستعجلتها رعودُها
فما زالَ زجرُ الرَّعدِ يحدو سحابها ... فتبدو وأرواحُ الشَّمالِ تُحيدُها
فما أقلعَتْ حتَّى بكتْ فتضاحكَتْ ... رياضُ الرُّبى فاخضرَّ بالعشبِ عودها
وهلْ تتلافى ذاتُ عقدٍ جُمانَها ... إذا انسلَّ من سلكِ النِّظامِ فريدُها
فقال رفيقي ما للونِكَ حائلاً ... وعينيكَ ما يعدو جفونكَ جودُها
فأغضيْتُ عن ردِّ الجوابِ تبلُّداً ... وخيرُ قلوبِ العاشقينَ بليدُها
وقال البحتري:
لعَمرُ المغاني يومَ صحراءِ أرثدِ ... لقد هيَّجتْ وجداً علَى ذيَ توجُّدِ
منازلُ أمستْ للرِّياحِ منازلاً ... تردَّدُ منها بينَ نؤْيٍ ورِمْددِ
شجتْ صاحبي أطلالُها فتهلَّلتْ ... مدامعهُ فيها وما قلتُ أسعدِ
وقلَّتْ لدارِ المالكيَّةِ عبرةٌ ... منَ الشَّوقِ لم تُملكْ بصبرٍ فتُرْددِ
سقتها الغوادي حيثُ حلَّتْ ديارُها ... علَى أنَّها لم تشفِ ذا الغُلَّةِ الصَّدِّي
تزيدينَ هجراً كلَّما ازددْتُ صبوةً ... طلاباً لأنْ أُردى فها أنذا رَدِ
وقال الحسين بن الضحاك:
هَبوني أغضُّ إذا ما بدتْ ... وأملكُ طرفي فلا أنظرُ
فكيفَ انتصاري إذا ما الدُّموعُ ... نطقْنَ فبُحْنَ بما أُضمرُ
وقال آخر:
ألا أيُّها الباكونَ من ألمِ الهوَى ... أظنُّكمُ أُدركْتُمُ بذنوبِ
تعالَوْا نُدافعْ جُهدنا عنْ قلوبنا ... فنوشكَ أن نبقى بغيرِ قلوبِ
وقال البحتري:
أعرضْتِ حتَّى خلْتُ أنِّي ظالمٌ ... وعتبتِ حتَّى قلتُ إنِّي مُذنبُ
سأعدُّ ما ألقى فإنْ كذَّبتني ... فسلي الدُّموعَ فإنَّها لا تكذبُ
وقال آخر:
قالوا تصنَّعَ بالبُكاءِ فقلتُ هلْ ... يبكي الشَّجيُّ لغيرِ ما في قلبهِ
ولقدْ ألِفتُ الدَّمعَ حتَّى ربَّما ... جرتِ الجفونُ بهِ ولم أعلمْ بهِ
وقال آخر:
وغائبِ الرُّوحِ شاهدِ البدنِ ... يبكي بعينٍ قليلةِ الوسنِ