ولد النَّبيّ ومن أُحبُّهمُ ... يتطامَنون مخافةَ القتلِ
أمن النَّصارى واليهود وهمْ ... من أُمَّة التَّوحيد في الأزلِ
وقال أيضاً:
أُريق دم الحسين ولم يُراعوا ... وفي الأحياء أموات العُقولِ
ألا يأبَى جَبينكَ من جبينٍ ... جرَى دَمه علَى خدٍّ أسيلِ
فؤادك والسّلوّ فإن قلبي ... سبايا إن تعود إلى ذهولِ
وقد شرقت رماح بني زيادٍ ... تُروّى من دماء بني الرَّسولِ
أنشدني محمد بن الخطاب لنفسه في أمير المؤمنين علي رضي الله عنه:
هو الَّذي أودَى وليداً ... في الوغى وشيبه جرَّعه
أنشدني محمد قال: أنشدني بعض النصارى لنفسه:
عديٍّ وتيم لا أُحاول ذكرَها ... بسوءٍ ولكنَّني محبٌّ لهاشمِ
وهل يعتريني في عليٍّ ورهطِهِ ... إذا لم أخف في الله لومة لائمِ
يقولون ما بال النّصارى تحبّه ... وأهل النُّهى من مغرب وأعاجمِ
فقلت لهم إنِّي لأحسبُ حبَّه ... طواهُ إلهي في صُدور البهائمِ
ولم نذكر شعر النصارى في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه افتقاراً إليه ولا اتكالاً في فضائلهم عليه، ولكن أردنا أن ننبّه على من قصدهم من أهل ملتهم الَّذي أوجبه عليه لهم في قوله تبارك وتعالى في محكم كتابه:) قل لا أسألكم عليه أجراً إلاَّ المودَّة في القربى (ولو أنَّ الله جلَّ ثناؤه أجاز سفك دمائهم رضوان الله عليهم، واعتقاد عداوتهم نصّاً في محكم التَّنزيل مكان ما أنزله في الحضّ على مودّتهم لما زاد المعاندون على ما فعلوا بهم بل قد أنزل الله في قتل المشركين، فما أتتك من حريمهم، ولا سبي نسائهم، ولا ذبح أطفالهم ولا قتل ساداتهم، ولا شردوا عن أوطانهم، ولا أخيفوا في مأمنهم ولا استفرع المجهود في مكارههم. وقد فعل ذلك كلّه بآل رسول الله صلى الله عليه، ولعمري ما رجع ضرر ذلك إلاَّ على من فعله، ولا احتقب الوزر فيه إلاَّ الَّذي ارتكبه. وعند الله المجازاة للمظلومين، والانتصاف لهم من المعتدين، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
وذكروا أنَّه لمَّا وجَّه معاوية زيد بن أرطأة في طلب شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام. هرب منه عبيد الله بن العباس فوجد ابنين له صغاراً فقتلهما، ففي ذلك تقول أُمّهما:
يا مَنْ أحسَّ بُنيَّيّ اللَّذين هما ... كالدُّرَّتين تَشَظَّى عنهما الصَّدفُ
يا مَنْ أحسَّ بُنيَّيّ اللَّذين هما ... سَمعي وقلبي فقلبي اليوم مُختطفُ
نُبّئتُ بُسْراً وما صدَّقتُ ما زعموا ... من قولهم ومن الأمرِ الَّذي اقترفوا
أُنحى علَى وَدَجيْ ابنيّ مُرهفةً ... مشحوذةً وكذاك الظّلمُ والسَّرفُ
من ذا رأَى أنَّني حَرَّى مفجعةً ... علَى صبيَّين ضاعا إذْ مضَى السَّلفُ
ثمَّ اجتمع بسر وعبد الله عند معاوية بعد ذلك فقال له عبيد الله: أهو الشَّيخ قاتل الصبيين، والله لوددت أن الأرض أخرجتني عندك. قال: فقد أخرجتك الساعة فمه. فقال: والله لو أن معي سيفي، فقال: هاك سيفك وأهوى بيده ليناوله سيفه فقال له معاوية: أُفٍّ لك من شيخ. ما أجهلك تجيء إلى رجل قد قتلت ابنه فتعطيه سيفك كأنَّك لم تعرف أكباد بني هاشم، أما والله لو بدأ بك ثمَّ لثنَّى بي. فقال عبيد الله لمعاوية: لا والله لبدأتُ بك ثمَّ لثنَّيت به، وقال إبراهيم ابن عبد الله بن الحسين يرثي أخاه محمد بن عبد الله عندما قتله عيسى بن موسى بن محمد في المعركة:
أبا المنازلِ يا خيرَ الفوارس مَنْ ... يُفجعْ بمثلك في الدُّنيا فقد فُجِعا
اللهُ يعلمُ أنِّي لو خشيتهُمُ ... وأوجسَ القلبُ من خوفٍ لهم فزعا
لم يقتلوهُ ولم تسلم أخِي لهمُ ... حتَّى نعيشَ جميعاً أوْ نموت معَا
ولبعض المحدثين يخاطب بعض قتلة الطالبيين:
قتلتَ أعزَّ من ركبَ المطايا ... وجئتك أستلينك بالكلامِ
وعزَّ عليَّ أن ألقاكَ إلاَّ ... وفيما بيننا حَدُّ الحُسامِ
ولكن الجناح إذا أُصيبت ... قوادمه ترفُّ علَى الأكامِ
[الباب الرابع والخمسون]
[مراثي الملوك والسادات]
وأهل الفضل والرئاسات