للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولبعض أهل هذا العصر:

وقائلةٍ قدْ كانَ عذركَ واسعاً ... لياليَ كانَ الشَّعرُ في الرَّأسِ أسودا

فقلتُ لها والدَّمعُ جارٍ كأنَّهُ ... نظامٌ تعدَّى سلكهُ مُتبدِّدا

لئنْ كانَ هذا الشَّيبُ غرَّكِ فاعلَمِي ... بأنِّي صحِبتُ الشَّيبَ مذْ كنتُ أمردا

أبِالشَّيبِ يُنهى عنْ مساعدةِ الهوَى ... ولولا الهوَى ما كنتُ للشَّيبِ مُسعِدا

وقال علي بن العباس الرومي:

يا بياضَ المشيبِ سوَّدتَ وجهِي ... عندَ بيضِ الوجوهِ سودِ القرونِ

فلعمرِي لأُخفينَّكَ جُهدي ... عنْ عَيانِي وعنْ عَيانِ العيونِ

ولعمرِي لأُتركنَّكَ لا تضْ ... حكُ في رأسِ آسفٍ محزونِ

بسوادٍ فيهِ بياضٌ لوجهِي ... وسوادٍ لوجهكَ الملعونِ

وقال البحتري

يُفاوتُ مِنْ تأليفِ شِعبِي وشِعبِها ... تناهِي شبابِي وابتداءُ شبابَها

عسَى بكَ أنْ تدنُو منَ الوصلِ بعدَما ... تباعدتْ مِنْ أسبابهِ وعسَى بها

ولمْ أرتضِ الدُّنيا أوانَ مجيئِها ... فكيفَ ارتِضائيها أوانَ ذهابِها

وقال أيضاً

وأضللتُ حِلمي فالتفتُّ إلى الصِّبى ... سِفاهاً وقدْ جزتُ الشَّبابَ مراحِلا

فللهِ أيَّامُ الشَّبابِ وحسنُ ما ... فعلنَ بنا لوْ لمْ يكنَّ قلائلا

وقال أبو الشيص:

أبقَى الزَّمانُ بهِ ندوبَ عِضاضِ ... ورمَى سوادَ قرونهِ ببياضِ

نفرتْ بهِ كأسُ النَّديمِ فأعرضتْ ... عنهُ الكواعبُ أيَّما إعراضِ

ولربَّما جُعلتْ محاسنُ وجههِ ... لجفونِها غرضاً منَ الأغراضِ

أيَّامَ أفراسُ الشَّبابِ جوامحٌ ... تأبَى أعنَّتها علَى الرُّوَّاضِ

وقال الطائي:

غرَّةٌ بَهْمةٌ ألا إنَّما كنْ ... تُ أغرّاً أيَّامَ كنتُ بَهيما

دِقَّةٌ في الحياةِ تُدعى جلالاً ... مثلَ ما سمِّيَ اللَّديغُ سَليما

وقال البحتري

عذلَتْنا في عشقِها أُمُّ عمرٍو ... هلْ سمعتمْ بالعاذلِ المعشوقِ

ورأتْ لمَّةً ألمَّ بها الشَّيبُ ... فرِيعتْ مِنْ ظلمةٍ في شروقِ

ولعمري لولا الأقاحِي لأبصرْ ... تَ أنيقَ الرّياضِ غيرَ أنيقِ

وسوادُ العيونِ لوْ لمْ يُحسَّنْ ... ببياضٍ ما كانَ بالموموقِ

أيُّ ليلٍ يبهَى بغيرِ نجومٍ ... أوْ سحابٍ تندَى بغيرِ بروقِ

وقال عمر بن أبي ربيعة:

رأتْني خضيبَ الرَّأسِ شمَّرتُ مِئزَرِي ... وقدْ عهدتْني أسودَ الرَّأسِ مُسدِلا

فقالتْ لأُخرَى عندَها تعرفينهُ ... أليسَ بهِ قالتْ بلَى ما تبدَّلا

سوَى أنَّهُ قدْ لاحتِ الشَّمسُ لونهُ ... وفارقَ أشياعَ الصِّبى وتنقَّلا

ولاحَ قتيرٌ في مفارقِ رأسهِ ... إذا غفلتْ عنهُ الخواضبُ أنصَلا

وكانَ الشَّبابُ الغضُّ كالغيمِ خَيَّلتْ ... سماوتُهُ إذ هبَّتِ الرِّيحُ فانْجَلى

وقال منصور النمري:

ما تنقَضِي حسرةٌ منِّي ولا جزعُ ... إذا ذكرتُ شباباً ليسَ يرتجعُ

بانَ الشَّبابُ وفاتَنِي بِشِرَّتهِ ... صروفُ دهرٍ علَى الأيَّامِ لِي تبعُ

تعجَّبتْ أنْ رأتْ أسرابَ دمعتهِ ... في حليةِ الخدِّ أجراهَا حشًى وجعُ

أصبحتِ لمْ تطعَمِي كلَّ الشَّبابِ ولمْ ... تشجَيْ بغصَّتهِ فالعذرُ لا يقعُ

[الباب الثامن والأربعون]

مَنْ يئسَ ممَّن يهواهُ فلمْ يلتفتْ مِنْ وقتهِ سلاهُ

<<  <   >  >>