عليك سلام الله قيسَ بن عاصمٍ ... ورحمتُهُ ما شاءَ أن يترحّما
تحيَّة من ألبسته منك نعمةً ... إذا زارَ عن شحطٍ بلادك سَلّما
فما كانَ قيسٌ هُلكُهُ هُلكُ واحدٍ ... ولكنَّه بنيانُ قومٍ تهدَّما
وقال آخر:
أحقّاً عبادَ الله أن لستُ رائياً ... عمارة طول الدَّهر إلاَّ توهّما
فأقسم ما حشمتهُ من مُلمةٍ ... تؤود كرام القوم إلاَّ تجشّما
ولا قلتُ مهلاً وهو غضبان قد علا ... من الغيظ وسط القوم إلاَّ تبسّما
وقال النمر بن تولب:
أبا خالدٍ ما كان أدهى مُصيبةً ... أصابتْ مَعَدّاً يومَ أصبحتَ ثاويا
لعمري لئن شرّ الأعادي فأظهروا ... شماتاً لقد مرّوا بربعك خاليا
فإن تكُ أفْنَتْهُ اللّيالي وأوشكت ... فإن له مجداً سيُفنى اللياليا
وقال آخر وأحسبه لبيداً:
لَعَمري لئن كان المُخبِّرُ صادقاً ... لقد رُزئتْ في سالف الدَّهر جَعفرُ
أخاً كان أما كلّ شيء سألته ... فيُعطي وأمَّا كل ذنبٍ فيعفِرُ
وقال حارثة بن بدر يرثي زياداً:
صلّى الإله علَى قبرٍ وطَهَّره ... عند الثويَّة يَسفى فوْقَه المورُ
زَفَّت إليه قريش نعشَ سيدها ... فالجود والحزم فيه اليوم مقبورُ
أبا المغيرةِ والدُّنيا مفجعَةٌ ... وإن من غُرَّ بالدنيا لمغرورُ
قد كان عندك للمعروف معرفةٌ ... وكان عندك للنكراء تنكيرُ
وكنت تسعى وتُعطي المال من سَعَةٍ ... إن كان بابك أضحى وهو مهجورُ
والنَّاس بعدك قد خَفَّت حُلومُهم ... كأنَّما نفخت فيها الأعاصيرُ
وقال آخر يرثي معن بن زائدة:
ألِمّا علَى مَعْنٍ فقولا لقبرهِ ... سُقيتَ العوادي مَرْبعاً ثمَّ مَرْبَعا
أحينَ ثوى معنِ ثوى الجود والنَّدَى ... وأصبحَ عرنين المكارم أجدعا
أيا قبرَ مَعْنٍ أنت أولُ حُفرةٍ ... من الأرضِ خُطَّت للسّماحة مضجعا
ويا قبرَ مَعْنٍ كيف واريتَ جوده ... وقد كان منه البَرُّ والبحرُ مُترعا
بَلى قد وَسِعْتَ الجودَ والجود ميتٌ ... ولو كان حيّاً ضقْتَ حتَّى تَصَدَّعا
فتًى عيش في معروفه بعد موته ... كما السيلُ أضحى بعد مجراهُ مرْتعا
وقال آخر:
تولى سعيد حين لم يبْقَ مَشْرِقٌ ... ولا مَغْرِبٌ إلاَّ له فيه مادحُ
كأنْ لم يَمُتْ حَيّ سواكَ ولم يقُمْ ... علَى أحد إلاَّ عليكَ النّوائحُ
لئن حَسُنتْ فيك المراثي وذكرُها ... لقد حَسُنتْ من قبلُ فيك المدائحُ
وقال إبراهيم بن هشام يرثي عمرو بن جري:
ولو كان البكاء يردُّ حقّاً ... علَى قَدر الرزايا بالعبادِ
لكان بُكاك بعد أبي حَويّ ... يقلُّ ولو جرى بدم الفؤادِ
مضى وأقام ما دجت اللّيالي ... له مَجْدٌ يُجلُّ عن المقادِ
وقال آخر:
فلله جاريّ اللذان هُما ... قريبين منّي والمزارُ بَعيدُ
مُقيمان بالبيداء لا يبرحانها ... ولا يسألان الركب أين تريدُ
هما تركا عيني لا ماء فيهما ... وشكا فؤاد القلب وهو عميدُ
وبلغنا أنَّه كان سبب موت مروان بن عبد الملك أنَّه وقع بينه وبين أخيه سليمان فقال يا ابن من تلحن أمه ففتح فاه ليجيبه وإلى جانبه عمر بن عبد العزيز فأمسك عليه فيه، وردّ كلمته وقال: يا أبا عبد الملك أخوك وابن أبيك وله السن عليك، فقال أبا حفص قتلتني، قال: وما صنعتُ بك؟ قال: رددت في جوفي أحر من الجمر، ومال لجنبه فمات وفيه يقول جرير يخاطب أخاه لأمه يزيد بن عبد الملك:
أبا خالدٍ فارقت مروان عن رضَى ... وكان يُزين الأرضَ أن تنزلا معا
نسيرُ فلا مروان للحيّ إن شَتَوْا ... ولا الرّكبُ إن أمسَوْا مخفين جوعا
[الباب الخامس والخمسون]
نوح الأهل والإخوان علَى من فقدوه من الشجعان
أنشد أحمد بن أبي طاهر عن أبي تمام:
كذا فليجلَّ الخطْبُ ولْيَفْدح الأمرُ ... وليس لعينٍ لم يَفضْ ماؤه عُذْرُ
إلاَّ في سبيل الله من عُطّلتْ له ... فجاجُ سبيل الله وانثغرَ الثغرُ
فتًى كلّ ما فاضَتْ عُيونُ قبيلةٍ ... دماً ضحكت عنه الأحاديثُ والذكرُ