للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولبعض أهل هذا العصر:

أراعكَ برقٌ في دجى اللَّيلِ لامعُ ... أجلْ كلُّ ما يلقاهُ ذو الشَّوقِ رائعُ

أألآنَ تخشَى البرقَ والإلفُ حاضرٌ ... فكيفَ إذا ما لاحَ والإلفُ شاسعُ

وهاجتْ رياحٌ زدْنَ ذا الشَّوقِ صبوةً ... وباكرتِ الأيكُ الحمامُ السَّواجعُ

وعاشرتَ أقواماً فلمْ تلقَ فيهمِ ... خليلكَ فاستعصتْ عليكَ المدامعُ

وأصبحتَ لا تروِي منَ الشِّعرِ إذْ نأَى ... هواكَ وباتَ الشِّعرُ للنَّاسِ واسعُ

سِوَى قولِ غيلانَ بنِ عقبةَ نادماً ... هلِ الأزمنُ اللاَّتي مضينَ رواجعُ

هناكَ تمنَّى أنَّ عينيكَ لم تكنْ ... وأنَّكَ لم ترحلْ وإلفكَ رابعُ

فكلُّ الَّذي تلقَى يسوؤكَ إنْ دنَا ... ودلُّ الَّذي تلقَى إذا بانَ فاجعُ

فيا ويكَ لا تسرع إلى البينِ إنَّه ... هوَ الموتُ فاحْذرْ غِبَّ ما أنتَ صانعُ

وله أيضاً:

أمنْ أجلِ سارٍ في دجى اللَّيلِ لامعِ ... جفوتُ حذارَ البينِ لِينَ المضاجعِ

علامَ تخافُ البينَ والبينُ راحةٌ ... إذا كانَ قربُ الدَّارِ ليسَ بنافعِ

إذا لم تزلْ ممَّنْ تحبُّ مروَّعاً ... بغدرٍ فإنَّ الهجرَ ليسَ برائعِ

[الباب الثاني والثلاثون]

في تلهُّب النِّيرانِ أُنسٌ للمدنف الحيران

أنشدني أبو طاهر الدمشقي قال أنشدني محمد بن الوليد الحيدري من أهل فلسطين:

رأيتُ بجرمِ عذرةَ ضوءَ نارٍ ... تلألأَ وهيَ نازحةُ المكانِ

فشبَّهَ صاحبايَ بها سُهيلاً ... فقلتُ تبيَّنَا ما تُبصرانِ

أنارٌ أُوقدتْ فتنوَّراها ... بدتْ لكُما أمِ البرقُ اليمانِي

وكيفَ ودونَها الفلَجاتُ تبدُو ... وكيفَ وأنتُما لا ترفعانِ

كأنَّ الرِّيحَ تصدعُ مِنْ سناها ... بنائقَ جنَّةٍ مِنْ أرجوانِ

وقال جامع الكلابي:

وإنِّي لنارٍ أُوقدتْ بينَ ذي الغضا ... علَى ما بعينِي مِنْ قذًى لبصيرُ

أضاءتْ لنا وحشيَّةً غيرَ أنَّها ... معَ الإنسِ ترعَى ما رعَوْا وتسيرُ

وقال جميل بن معمر:

أكذَّبتُ طرفي أمْ رأيتُ بذي الغضا ... لبُثنةَ ناراً فارْفَعوا أيُّها الرَّكبُ

إلى ضوءِ نارٍ ما تبوخُ كأنَّها ... منَ البعدِ والإقواءِ جيبٌ لها نقبُ

وقال كثيّر:

رأيتُ وأصحابِي بأيْلةَ موهنا ... وقدْ عادُ نجمُ الفرقدِ المتصوّبُ

لعزَّةَ ناراً ما تبوخُ كأنَّها ... إذا ما رمقْناها منَ البعدِ كوكبُ

وقال آخر:

يا موقداً نارِي يُذكيها ويُخمدُها ... قرَّ الشَّتاءِ بأرواحٍ وأمطارِ

قمْ فاصطلِ النَّارِ من قلبي مضرَّمةً ... بالشَّوقِ تغنَ يا موقدَ النَّارِ

ويا أخا الذَّودِ قدْ طالَ الظَّماءُ بها ... لمْ تدرِ ما الرّيُّ مِنْ جدبٍ وإقفارِ

ردْ بالعطاشِ علَى عيني ومحجرِها ... تُروي العطاشَ بدمعٍ واكفٍ جارِي

وقال آخر:

يا موقدَ النَّارِ بالزّنادِ ... وطالبَ الجمرِ في الرَّمادِ

دعْ عنكَ شكّاً وخذْ يقيناً ... واقتبسِ النَّارَ مِنْ فؤادي

وقال الشماخ:

وكنتُ إذا ما جئتُ ليلَى تبرقعتْ ... لقدْ رابَني منها الغداةَ سفورُها

وأُشرفُ بالغورِ اليفاعَ لعلَّني ... أرَى نارَ ليلَى أوْ يراني بصيرُها

حمامةَ بطنِ الوادِيينِ ترنَّمي ... سقاكِ منَ الغرِّ العذابِ مطيرُها

أبِيني لنا لا زالَ ريشُكِ ناعماً ... ولا زلتِ في خضراءَ دانٍ بريرُها

وقال الأحوص بن محمد:

ضوءُ نارٍ بدَا لعينيكَ أمْ شُ ... بَّتْ بذي الأثلِ مِنْ سلامةَ نارُ

تلكَ دارُ الغضا وحسّاً وقد يأ ... لفُها المجتدونَ والزُّوَّارُ

أصبحتْ دمنةً تلوحُ بمتنٍ ... تعتفيها الرِّياحُ والأمطارُ

وكذاكَ الزَّمانُ يذهبُ بال ... نَّاسِ وتبقَى الدِّيارُ والآثارُ

وقال آخر:

يا موقدَ النَّارِ بالصَّحراءِ مِنْ عمَقٍ ... قمْ فاصطلي مِنْ فؤادٍ هائمٍ قلقِ

النَّارُ تُطفى وبردُ القرِّ يخمدُها ... ونارُ قلبيَ لا تطفَى منَ الحرقِ

وقال بعض الأعراب:

<<  <   >  >>