جرَى واكفُ العينينِ بالدِّيمةِ السَّكبِ ... وراجعَني مِنْ ذكرِ ما قدْ مضَى حبِّي
وأبدَى الهوَى ما كنتُ أُخفي منَ العدَى ... وجنَّ لتذكارِ الصِّبى مرَّةً قلبِي
متى يُرسلِ المُشفِي إنِ النَّاسُ محَّلوا ... عيوناً لأكنافِ المدينةِ فالهضبِ
أمتْ كمداً أوْ أضنَ حتَّى يُغيثني ... مغيثٌ بسيبٍ مِنْ نداهنَّ أوْ قربِ
حنَا الحائمُ الصَّادي إليها وخُلِّيتْ ... قلوبٌ فما يقدرونَ منها علَى شربِ
جعلنَ الهوَى داءً علينا وما لنا ... إليهنَّ إذا أورَدْننا الدَّاءَ مِنْ ذنبِ
وقال آخر:
ولمَّا رأَى ألاَّ سبيلَ وأنَّه ... هوَ البينُ مقصوراً عليهِ الأضالعُ
تهتَّكَ عنْ أسرارِ قلبٍ وأسجمتْ ... مدامعُ عينٍ بينَها السِّرُّ ضائعُ
وقال العباس بن الأحنف:
أمسَى بكاكَ علَى هواكَ دليلا ... فازجرْ دموعكَ عنْ أن تفيض همولا
دار الجليس عن الدموع فإن بدتْ ... فانظر إلى أفقِ السماء طويلا
وقال آخر:
بين الجوانح منك قلبٌ خافقُ ... ولسان دمعك عن ضميركَ ناطقُ
إجهرْ بحبِّكَ طالَما أسررْتَهُ ... وإذا استترَ الحبُّ ماتَ العاشقُ
وقال آخر:
لولا تحدُّرُ دمعي حينَ تذكرُ لي ... لمْ يعلمِ النَّاسُ مِنْ سرِّي بمكتومِ
فما احتِيالي بعينٍ غيرِ راقيةٍ ... تبكِي بدمعينِ مذروفٍ ومسجومِ
نمَّتْ عليَّ فأبدتْ ما استترتُ بهِ ... وقدْ يكونُ سَتيراً غيرَ مذمومِ
وقال أبو حفص الشطرنجي:
وقالتْ بحتَ بالأسرارِ عنِّي ... وما هذا بفعلِ أخي الكريمةْ
فقلتُ لها فدتكِ النَّفسُ نمَّتْ ... بما لاقيتُ مُقلتيَ المشومةْ
فألقتْ نفسَها ضحكاً وقالتْ ... قدِ ارتفعَ الحديثُ عنِ النَّميمةْ
ولقد أحسن ابن قنبر حيث يقول:
خُذيني بما يجنِي لِسانِي واصفَحِي ... لنا عنْ جناياتِ الدُّموعِ البواردِ
فقدْ شهرتْني مرَّةً بعدَ مرَّةٍ ... فأبدتْ برغمي خافياتِ سرائرِي
ولوْ أنَّ عَيني طاوعتْني لاختَفَى ... عليَّ الهوَى أُخرى اللَّيالي الغوابرِ
ولكنَّها تُبدِي إذا ما ذكرتكمْ ... بفيضِ مآقيها خَبايا الضمائرِ
وقال أحمد بن أبي قين:
ولمَّا أبتْ عينايَ أنْ تستُرا الهوَى ... وأنْ تقِفا فيضُ الدُّموعِ السَّواكبِ
تثاءبتُ كَيْلا ينكرَ الدَّمعُ منكرٌ ... ولكنْ قليلٌ ما بقاءُ التَّثاؤبِ
أعرَّضْتُماني للنَّدِي ونمتُما ... عليَّ لبئسَ الصَّاحبانِ لصاحبِ
وقال النابغة:
طوَى كشحاً خليلكَ والجناحَا ... لبينٍ منكَ يومَ غدَا وراحَا
فيا لكِ حاجةً في صدرِ صبٍّ ... رأَى الأظعانَ باكرةً فباحَا
وقال البحتري:
يا أخا الأزدِ ما حفظتَ الإخاءَ ... لمحبٍّ وما ذكرتَ الوفاءَ
عذلاً يتركُ الحنينَ أنيناً ... في هوًى يتركُ الدُّموعَ دماءَ
كيفَ أغدُو منَ الصَّبابةِ خلْواً ... بعدَما راحتِ الدِّيارُ خلاءَ
حجبوها حتَّى بدتْ لفراقٍ ... كانَ داءً لعاشقٍ ودواءَ
أضحكَ البينُ يومَ ذاكَ وأبكَى ... كلَّ ذِي صبوةٍ وسرَّ وساءَ
فجعلنا الوداعَ فيهِ سلاماً ... وجعلنا الفراقَ فيهِ لقاءَ
ووشتْ بي إلى الوشاةِ دموعُ ال ... عينِ حتَّى حسبتُها أعداءَ
قد كثَّر النَّاس في شكاية الدَّمع وخبَّروا بأنَّه من أشدّ الأشياء دلالة على السُّرور بما امتنع بضروب من الصَّنائع إمَّا لفرط جفاف في الدِّماغ يحتمل ما ورد عليه من البخارات فلا ينحدر عنه حتَّى يكثر كثرةً غالبةً وربَّما امتنع لشدَّة الكمد حسب ما ذكرناه بديَّا وللهوى دلالات تتبيَّن في الزَّفرات واللَّون والنَّظر والإرشادات لا تكاد تفتقد وجدها ومفتقدها أيضاً يراها وإن لم يعرف لها شبيهاً عند تلاقي المتحابَّين.
أنشدنا أحمد بن أبي طاهر:
تكلَّمُ عمَّا في الصُّدورِ عيونُنا ... وتفقهُ عنَّا أعينٌ وحواجبُ
فمنْ قالَ إنَّ الحبَّ يخفَى لذِي الهوَى ... إذا ما رأَى أحبابهُ فهوَ كاذبُ
ولبعض أهل هذا العصر: