للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ملّوا البكاءَ فما يبكيك من أحدٍ ... واستحكم القيلُ في الميراث والقالُ

ألْهتهُمُ عنك دنيا أقبلتْ لهمُ ... وأدبرت عنك والأيام أحوالُ

وقيل للمؤيد مات الملك فقال: كان أمس أنطق منه اليوم، وهو اليوم أوعظ منه أمس، فأخذه أبو العتاهية فقال:

بكيتُكَ يا أخي بدموعِ عينيْ ... فما أغنى البكاءُ عليكَ شَيَّا

وكانت في حياتك لي عِظاتٌ ... وأنتَ اليومَ أوعظُ منكَ حيّا

وقال أبو نُواس:

أيَّة نارٍ قدحَ القادحُ ... وأيَّ حكم بلغَ المازحُ

لله درّ الشَّيْب من واعظٍ ... وناصح لو قُبل الناصحُ

أغدُ فما في الشَّيْب أغلوطةٌ ... ورُحْ بما أنت له رائحُ

من يتق الله فذاك الَّذي ... سيق له المُتّجرُ الرابحُ

لا يجتلي الحوراءَ في خدرِها ... إلاَّ فتًى ميزانه راجحُ

فاسمُ بعينيك إلى نسوةٍ ... مهورُهنَّ العملُ الصالحُ

وقال أيضاً:

إذا امتحن الدُّنيا لبيبٌ تكشَّفت ... له عن عدوٍ في ثياب صديقِ

وما النَّاس إلاَّ هالكٌ وابن هالكٍ ... وذو نسبٍ في الهالكين عريقِ

وقال أبو دؤاد الإيادي:

وكلُّ حصنٍ وإن طالت سلامتُهُ ... يوماً ستدركه النكباءُ والحوبُ

كل امرئٍ بلقاء الموت مُرْتهنٌ ... كأنه غرضٌ للموتِ منصوبُ

وقال حاتم طيّ:

وما أهل طود مكفهرّ حصونهُ ... من الموت إلاَّ مثلُ من حلَّ بالصحرِ

وما دارع إلاَّ كآخرَ حاسر ... وما مُقترٌ إلاَّ كآخرَ ذي وَفْرِ

تنوطُ لنا حُبَّ الحياةِ نفوسُنا ... ويسري إلينا الموت من حيث لا ندري

وقال آخر:

لعمرك ما الدُّنيا بدار إقامةٍ ... ولو عَقلوا كانوا جميعاً علَى رجلِ

فما تبحث الساعات إلاَّ عن البلى ... ولا تنطوي الأيام إلاَّ علَى ثُكلِ

وقال مُضرّس بن ربَعي:

وما هي إلاَّ ليلةٌ ثمَّ يومها ... وحولٌ إلى حولٍ وشهرٌ إلى شهرِ

منايا يُقرِّبنَ الصحيحَ من البِلى ... ويُدْنينَ ذا الجسم الصحيح من القبرِ

ويتركن أزواجَ الغَيورِ لغيرهِ ... ويقسمنَ ما يحوي الشحيحُ من الوفرِ

وقال آخر:

وما أهل الحياة لنا بأهلٍ ... ولا دار الفناء لنا بدارِ

وما أموالنا إلاَّ عَوارٍ ... سيأخذها المعير من المُعارِ

وقال آخر:

وما الدُّنيا لصاحبها بدارٍ ... وما حظُّ البنان من الخضاب

غَناءٌ عن مؤمله قليلٌ ... دنوّ اللاّمعات من السّراب

وما أدري وإن سافرت يوماً ... علَى رجع الظنون مَتَى إيابي

وقال أبو بكر العَرْزمي:

نُراعُ إذا الجنائز قابلتنا ... ونَسكنُ حين تخفى ذاهباتِ

كروعة ثلّةٍ لمُغارِ سبعٍ ... فلمّا غاب عادت راتعاتِ

وقال آخر:

اسمع فقد آذنك الصوتُ ... إن لم تبادر فهو الفوتُ

نِلْ كلَّما شئت وعش آمناً ... آخرُ هذا كلِّهِ الموتُ

وهذا مأخوذ من قول النابغة:

وعمرو بنُ دُهْمانَ الهُنيدةَ عاشها ... وتسعينَ عاماً ثمَّ قُوّم فانصاتا

فعادَ سوادُ الرأس بعد بياضه ... وعاجله شرْخُ الشَّبابِ الَّذي فاتا

وعاجله حلم أصيلٌ وقوَّةٌ ... ولكنه من بعد ذا كُلِّهِ ماتا

وذكر عن الأصمعي أنَّه قال: أصبت حفراً حول الحيرة فإذا فيه رجلٌ عليه حلتان وإذا عند رأسه لوحٌ مكتوب فيه أنا عبد بن حيّان بن بقيلة:

حلبت الدَّهر أشطره حياتي ... ونلتُ من المنى فوق المزيدِ

وكافحتُ الأمورَ وكافحتني ... ولم أخضعْ لمعضلةٍ كؤودِ

وكدتُ أنالُ في الشرف الثريّا ... ولكنْ لا سبيلَ إلى الخلودِ

وقال آخر:

استعدّي يا نفسُ للموت واسعَيْ ... لنجاةٍ فالحازمُ المستعدُّ

قد تبينتُ أنَّه ليس للحيِّ خل ... ودٌ ولا من الموت بدُّ

أيُّ ملكٍ في الأرض أوْ أيُّ حظٍّ ... لامرئ حظه من الأرض خُلْدُ

كيف يهوى امرء لذاذة أيّا ... مٍ عليه الأنفاسُ فيها تعدُّ

ولعمري لقد طَرِفَ إسماعيل بن جعفر حيث يقول:

أصبحتِ الدُّنيا لنا عِبرةً ... والحمدُ لله علَى ذالكا

اجتمعَ الناسُ علَى ذَمِّها ... وما نرى منهمْ لها تاركا

<<  <   >  >>