يا سعدُ لم أذخرْ عليكَ مودَّةً ... أنتَ المُقرُّ بها وأنتَ الجاحدُ
أشْكيتَني فشكوْتُ لا مُتشاكياً ... وزعمْتَ أنِّي إذْ شكوتُكَ حاسدُ
ولئنْ حُسدْتُ عليكَ إنَّكَ لَلَّذي ... حُسدتْ عليهِ أقاربٌ وأباعدُ
وزعمْتَ أنِّي لائمٌ لكَ عاتبٌ ... وقصائدي بالذَّمِّ فيكَ شواهدُ
لؤُمَتْ إذنْ منِّي الخلائقُ واعتدى ... بالحمدِ من هوَ قائمٌ بيَ قاعدُ
أنِّي أذمُّكَ يا سعيدُ وإنَّما بالمجدِ ... منكَ إذا فخُرْتُ أُماجدُ
إن كان قلبكَ فيَّ مُشتركَ الهوَى ... فالقلبُ منِّي فيكَ قلبٌ واحدُ
كنْ كيفَ شئتَ فإنَّني بكَ واثقٌ ... ولئنْ ذممْتُكَ إنَّني لكَ حامدُ
وقال العرجي:
أقولُ لها والعينُ قد جادَ غربُها ... وقد كانَ فيها دمعُها قد تردَّدا
أريْتُكِ إذْ أعرضْتِ عنِّي كأنَّما ... تُلاقينَ من حيَّاتِ بيتان أسودا
أأسلاكِ عنِّي النَّأيُ أمْ عاقكِ العِدى ... وما افترقوا أمْ جئتِ صرمي تعمُّدا
ألمْ أكُ أعصي فيكِ أهلَ قرابتي ... وأُرغمُ فيكِ الكاشحَ المُتهدِّدا
فقالتْ ضننْتُ الوصلَ منكَ ولَلَّذي ... جشمْتَ إلينا كان أدنى وأزهدا
لأشياءَ قد لاقيتُها فيكَ لم يكنْ ... ليُحصيَها من منَّ وصلاً وعدَّدا
وإعراضُنا عنكُمْ فغيري بهِ بدا ... فلمَّا أرادتْ عنكَ نفسي تجلُّدا
رجعْتُ إلى نفسي فعادتْ بحلْمها ... عليكَ فلمْ تُرضي بصرمكَ حُسَّدا
إذا أمَّلوا وشكَ اهتجارٍ فأخفقوا ... بهِ اليومَ فينا أمَّلوا هجرنا غدا
فكُنْ لِلَّذي تهوى وأغلظْ علَى الَّذي ... قلاكَ وعوِّدْهُ الَّذي قد تعوَّدا
ولا تحسبنْ صرمَ الصَّديقِ مروءةً ... ولا مُدركاً بالصَّرمِ ما عشتَ سُؤددا
وكتب بعض أهل هذا العصر إلى أخ له يستأذنه في شكره:
أتأذنُ لي يا مُتُّ قبلكَ في الشُّكرِ ... فأشكرَ أم تنهى فأُغضي علَى صُغْرِ
وإنِّي لمُحتاجٌ إنَ انتَ أذنتَ لي ... إلى العذرِ أيضاً من مجاوزتي قدري
فما حقُّ مثلي أن يُرى لكَ شاكراً ... ولا مثلُ ما أُوليتُ يُشكرُ بالشِّعرِ
فرأيَكَ فيمنْ لا يرى نفسهُ إذا ... عتبتَ عليها أهلَ شُكر ولا عُذرِ
فلم يأذن له في ذلك وكتب يعاتبه:
أفي العدلِ أن تنهى أخاكَ عنِ الشُّكرِ ... وينأى فلا يُنهى عنِ النَّأيِ والهجرِ
أجلْ أنَّ ذا عدلٌ علَى الصَّبِّ في الهوَى ... إذا كانَ لا يُنجيهِ منهُ سوى العُذرِ
أيجملُ في حقِّ الجوارِ دعِ الهوَى ... أنَ ابقى علَى ظهرِ العشاءِ إلى الفجرِ
أُراعي نجوماً لم أُوكَّلْ برعْيِها ... وأُذكي هوًى في القلبِ أذكى منَ الجمرِ
وأنتَ أخٌ لي قادرٌ أنْ تزيلَ ما ... أُقاسيهِ لا تدري بما بيَ أوْ تدري
تبيتُ خليَّ القلبِ ممَّا أجِنُّهُ ... كما أنا خِلوٌ في هواكَ منَ الصَّبرِ
وإنِّيَ أدري أنَّ في الصَّبرِ راحةً ... ولكنَّ إنفاقي علَى الصَّبرِ من عُمري
أراني إذا واصلتُ ساءتْكَ عِشرتي ... وإنْ غبتُ لم أخطرْ ببالٍ ولا فكرِ
أحينَ تناهى الودُّ واتَّصلَ الهوَى ... وصرتَ شريكي في السَّريرةِ والجهرِ
مللتَ إخائي واطَّرحتَ مودَّتي ... وأقصيتني حتَّى تحيَّرتُ في أمري
وله أيضاً:
جُعلتُ فِداكَ قد طالَ انعطافي ... إليكَ وأنتَ قاسي القلبِ جافي
وليسَ أخاكَ من يرعاكَ كُرهاً ... ولا البادي بوصْلكَ كالمُكافي
فإنْ ترعَ الأمانةَ لا أُضِعْها ... وإنْ لا ترعَ يوحِشكَ انصرافي
يطولُ عليكَ أن تلقى خليلاً ... تطولُ عليهِ أيَّامُ التَّصافي
مخافةَ أنْ يملَّكَ باجتماعٍ ... فيرضى من نوالكَ بالكفافِ
فإنْ يكُ ذا الصُّدودُ صدودَ عتْبٍ ... وأنتَ علَى المودَّةِ والتَّوافي
إذنْ فتلافني من قبلِ يأسٍ ... يولِّدُ ما يجلُّ عنِ التَّلافي
وإلاَّ فاطَّرحْ وُدِّي وأجملْ ... بتعريضٍ من التَّصريحِ كافي
متى يصلُ السَّقيمُ إلى شفاءٍ ... إذا كانَ الضَّنى درْكَ المُعافي
وقال بعض الأعراب: