فيا نفسُ ذلِّي بعدَ ميٍّ وسامحِي ... فقدْ سامحتْ ميٌّ وذلَّ قرينُها
وقال عمر بن نجا:
أتَى البخلُ دونَ الجودِ مِنْ أُمِّ واصلٍ ... وضنَّ علينا بالعطاءِ ضنينُها
فللهِ درِّي يومَ مالتْ مودَّتي ... إليها ولم ترجعْ إليَّ يمينُها
وما خُنتها إنَّ الخيانةَ كاسمِها ... ولا نصحتْ نفسي لنفسٍ تخونُها
مددتِ حبالاً منكِ حتَّى تقطَّعتْ ... إليَّ وما خانَ الحبالَ متينُها
فكيفَ أشعتِ السِّرَّ أُمَّ واصلٍ ... وما أخلصَ الأسرارَ إلاَّ أمينُها
وقال آخر:
أكرُّ إلى ليلَى وأحسبُ أنَّني ... كريمٌ علَى ليلَى وغيري كريمُها
فأصبحتُ قد أجمعتُ هجراً لبيتِها ... وفي العينِ مِنْ ليلَى قذًى ما يريمُها
لئنْ آثرتْ بالودِّ أهلَ بلادِها ... علَى نازحٍ مِنْ أرضِها لا يريمُها
وما يستوِي مَنْ لا يرَى غيرَ لمَّةٍ ... ومَنْ هوَ عندَها لا يريمُها
وقال بعض الأعراب:
شكوتُ إلى رفيقيَّ الَّذي بي ... فجاءانِي وقد جمعَا دواءَ
وجاءا بالطَّبيبِ ليكوِياني ... وما أبغِي عدِمتُهُما اكتواءَ
فلو ذهبا إلى ليلَى فشاءتْ ... لأهدتْ لِي منَ السَّقمِ الشِّفاءَ
تقولُ نعمْ سأقضِي ثمَّ تلوِي ... ولا تنوِي وإنْ قدرتْ قضاءَ
أصارمةٌ حبالَ الوصلِ ليلَى ... لأخضعَ يدَّعي دونِي ولاءَ
ومؤثرةُ الرِّجالِ عليَّ ليلَى ... ولم أُؤثرْ علَى ليلَى النِّساءَ
ولو كانتْ تسوسُ البحرَ ليلَى ... صدرْنا عن شرائعهِ ظماءَ
فمرَّا صاحبيَّ بدارِ ليلَى ... جُعلتُ لها وإنْ بخلتْ فداءَ
أريتُكَ إنْ منعتَ كلامَ ليلَى ... أتمنعُني علَى ليلَى البكاءَ
ولبعض أهل هذا العصر:
وتزعم للواشين أني فاسدٌ ... عليك وأني لستُ مما عهدتني
وما فسدت لي يشهدُ اللهُ نيةٌ ... ولكنما استفسدتني فأتهمتني
غدرتَ بعهدي عامداً وأخفتني ... فخفت ولو آمنتني لأتمنتني
إلى الله أشكو لا إليك فطالما ... شكوت الذي ألقى إليك فزدتني
وله أيضاً:
أُفوِّضُ أسبابي إلى اللهِ كلَّها ... وأقنعُ بالمقدورِ فيها وأرتَضي
واسمحُ بالتَّفويضِ حتَّى إذا انتهَى ... ضميري إلى ما بينَنا لم أُفوِّضِ
وباللهِ لو خيِّرتُ بينكَ غادراً ... وبينَ كِلا المُلكينِ تخييرَ مُقتضِ
رضيتُكَ حظّاً منهما غيرَ أنَّني ... بهذا الَّذي ترضاهُ لي غيرُ مرتضِ
وله أيضاً:
أبتْ غلَباتُ الشَّوقِ إلاَّ تقرُّبا ... إليكَ ونأيُ العذلِ إلاَّ تجنُّبا
عليَّ رقيبٌ منكَ خالٍ بمهجَتي ... إذا أنا سهَّلتُ اطِّراحكَ صعَّبا
فها أنذا وقفٌ عليكَ مجرَّبٌ ... إذا ما نبَا بي مركبٌ رمتُ مركبَا
وما كانَ صدِّي عنكَ صدَّ ملالةٍ ... ولا كانَ إقبالي عليكَ تطرُّبا
ولا كانَ ذاكَ العذلُ إلاَّ نصيحةً ... ولا ذلكَ الإغضاءُ إلاَّ تهيُّبا
ولا الهجرُ إلاَّ فرطُ منٍّ ولا الرِّضى ... بلا سببٍ إلاَّ اشتياقاً معذَّبا
ومَنْ يُمنعِ العذب الزُّلال ويمتنعْ ... منَ الشُّربِ مِنْ سؤرِ الكلابِ تغضُّبا
خليقٌ إذا لمْ يستطعْ شربَ غيرهِ ... وخافَ المنايا أنْ يذلَّ فيشربا
إذا المرءُ لمْ يُقدرْ لهُ ما يريدُهُ ... أرادَ الَّذي يُقضى لهُ شاءَ أمْ أبى
وأنشد أعرابي ببلاد نجد:
فيا عجبَا مِنْ صونيَ الودَّ في الحشا ... لمنْ هوَ فيما قد بدَا لي واترُ
ومِنْ طلبِي بالودِّ ثأري ولم يكنْ ... ليُدركَ تبلاً بالمودَّةِ ثائرُ
فيا عجبَا منِّي ومنها تُضيعُني ... وأحفظُها هذا اختلافُ السَّرائرِ
ويا عجبَا كيفَ اتَّفقنا فناصحٌ ... مصرٌّ ومطويٌّ علَى الغشِّ غادرُ
وقال البحتري:
مغتربُ الدَّارِ إنْ أرضهُ أجدْ ... مسافةَ النَّجم دونَ مُغتربهْ
راجعتهُ القولَ في ملاطفةٍ ... أهربُ مِنْ صدقهِ إلى كذبهْ
وقال آخر:
سأعرضُ بالشَّكِ دونَ اليقينِ ... حتَّى أُحسِّنَ غيرَ الحسنْ
وأقنعُ إذْ خُنتني مُعلناً ... بقولكَ في السِّرِّ لي لم أخنْ