تُنادِي هُذيلاً فوقَ أخضرَ ناعمٍ ... غذاهُ ربيعٌ باكرٌ في ثرًى جعدِ
فقلتُ تعالَيْ نبكِ مِنْ ذكرِ ما خَلا ... ونذكرُ منهُ ما نُسرُّ وما نُبدِي
فإنْ تُسعدِيني نبكِ عبرتَنا معاً ... وإلاَّ فإنَّي سوفَ أسفحُها وحدِي
وهذه حال ناقصة منها في المحبَّة من ليست له حال تبة جحدر الفقعسي حيث يقول:
وكنتُ قدِ اندملتُ فهاجَ شوقِي ... بُكاءَ حمامتينِ تَجاوبانِ
تَجاوبَتَا بلحنٍ أعجميٍّ ... علَى غُصنينِ مِنْ غرَبٍ وبانِ
افتراه إن سلا عمَّن يهواه لم يبق له في قلبه أثر من حبِّه ولا خاطر شارد من ذكره يعيد هواه على فكره فيعطف قلبه عليه إذ لم يستطع أن يردَّ وجده إليه حتَّى يكون نوح الحمام أقوى شيئاً في ردِّ قلبه إلى أحبابه مَن كان السبب في تعذيبه نوح الحمام كان السبب في تبعيده أضعف نوائب الأيَّام ولكنَّ أبا صخر الهذلي قال قولاً لا يهجَّن من ابتدعه ولا يقال على من انتخبه وهو:
وليسَ المعنَّى بالَّذي لا يهجنهُ ... إلى الشَّوقِ إلاَّ الهاتفاتُ السَّواجعُ
ولا بالَّذي إنْ صدَّ يومَّ خليلهُ ... يقولُ ويُبدي الصَّبرَ إنِّي لجازعُ
ولكنَّهُ سقمُ الجوَى ومطالهُ ... وموتُ الجفا ثمَّ الشُّؤونُ الدَّوامعُ
رشَاشاً وتَهتاناً ووبلاً وديمةً ... كذلك تُبدي ما تجنُّ الأضالعُ
وقال آخر:
ألا يا حماماتِ اللِّوَى عُدنَ عودةً ... فإنِّي إلى أصواتكنَّ حزينُ
فعُدنَ فلمَّا عدنَ كدنَ يُمتنَنِي ... وكدتُ بأسرارِي لهنَّ أُبينُ
ولمْ ترَ عيني قبلهنَّ حمائماً ... بَكينَ ولمْ تدمعْ لهنَّ عيونُ
وقال آخر:
يا طائرينَ علَى غُصنٍ أنا لكُما ... مِنْ أنصحِ النَّاسِ لا أبغِي بهِ ثمنَا
كونا إذا طرتُما زوجاً إخالكُما ... لا تأمنانِ إذا أُفردتُما حزَنا
هذا أنا لا علَى غيري أدلُّكما ... لاقيتُ جهداً بتركي الإلفَ والوطنا
وقال آخر:
ألا يا حمامَ الأيكِ إلفُكَ حاضرٌ ... وعودكَ ميَّادٌ ففيمَ تنوحُ
أفقْ لا تنحْ من غيرِ شيءٍ فإنَّني ... بكيتُ زماناً والفؤادُ صحيحُ
وقال آخر:
دعاني الهوَى والشَّوقُ لمَّا ترنَّمتْ ... علَى الأيكِ من بينِ الغصونِ طروبُ
تُجاوبها وُرقُ يُرعْنَ لصوتها ... وكلٌّ لكلٍّ مسعدٍ ومُجيبُ
ألا يا حمامَ الأيكِ ما لك باكياً ... أفارقتَ إلفاً أمْ جفاكَ حبيبُ
وقال آخر:
أُلامُ علَى فيضِ الدُّموعِ وإنَّني ... بفيضِ الدُّموعِ الجارياتِ جديرُ
أيبكي حمامُ الأيكِ من فقدِ إلفهِ ... وأحبسُ دمعي إنَّني لصبورُ
وقال بعض الأعراب:
ألا قاتل الله الحماماتِ غُدوةً ... علَى الفرعِ ماذا هيَّجتْ حينَ غنَّتِ
تغنَّتْ غناءً أعجميّاً فهيَّجتْ ... هوايَ الَّذي كانت ضلوعي أجنَّتِ
نظرتُ بصحراءِ البريدَيْنِ نظرةً ... حجازيَّةً لو جُنَّ طرفٌ لجنَّتِ
ولو هملتْ عينٌ دماً من صبابةٍ ... إذاً هملتْ عيني دماً وأهمَّتِ
وقال ابن الدمينة:
ألا يا صَبا نجدٍ متى هجتِ من نجدِ ... لقد زادني مسراكِ وجداً علَى جدِ
أإنْ هتفتْ ورقاءُ في رونقِ الضُّحى ... علَى غصنٍ غضِّ النَّباتِ منَ الرَّندِ
بكيتَ كما يبكي الوليدُ ولم يكنْ ... جليداً وأبديتَ الَّذي كنتَ لا تُبدي
وقال ناقد بن عطارد العبشمي:
ويثني الشَّوقَ حينَ أقولُ يخبو ... بكاءُ حمامةٍ فيلجُّ حينا
مطوَّقةُ الجناحِ إذا استقلَّتْ ... علَى فننٍ سمعتُ لها رنينا
يميلُ بها ويرفعُها مراراً ... ويسعفُ صوتها قلباً حزينا
كأنَّ بنحرها والجيدِ منها ... إذا ما أُمكنتْ للنَّاظرينا
مخطّاً كان من قلمٍ لطيفٍ ... فخطَّ بجيدها والنَّحرِ نوتا
وقال نبهان العبشمي:
أحقّاً يا حمامةَ بطنِ قَوٍّ ... بهذا الوجدِ أنَّكِ تصدُقينا
غلبتكِ يا حمامةَ بطنِ قوٍّ ... وقبلكِ ما غلبتُ الهائمينا
غلبتكِ في البكاءِ بأنَّ ليلِي ... أُواصلهُ وأنَّكِ تهجَعينا
وأنِّي أشتكِي فأُقولُ حقّاً ... وأنَّكِ تشتكينَ فتكذِبينا