للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أراده جعفر بن يحيى من البيان، وهو أن يكون الاسم يحيط بمعناك ويجلي عن مغزاك وتخرجه من الشركة ولا تستعين عليه بالفكرة والذي لا بد منه أن يكون سليمًا عن التكلف بعيدًا من الصنعة بريئًا من التعقيد غنيًّا عن التأويل١، أراد به ساحر الأدب ورائعه من نثر ونظم وأسجاع ورسائل وخطب ومقالات وأحاديث وحجاج، وأراد به أمثل الأساليب وأقوم الألفاظ التي تقرب ما غمض من المعاني وتوضح ما خفي من الأفكار، ذاكرا معها أصحابها من أولى اللسن والخطابة والبلاغة في المنثور والمنظوم، ولذلك كان كتابه أخبارًا منتحلة وخطبًا منتخبة كما يقول مؤلف نقد النثر، والجاحظ لا يكتفي بذكر ذلك ذاك وحده بل يذكر المذاهب الأدبية العامة في عصره وقبل عصره في النقد والأدب والبيان كلما دعا إليها داع أو ألمت بها مناسبة، ويذكر في سياق ذلك آراءه الأدبية التي يؤثرها ويدعو إليها في شيء من الإجمال والإيجاز وفي مواضع متفرقة من كتابه كما يقول أبو هلال.

-٤-

ارتاب بعض الباحثين المعاصرين في شخصية في كتابه البيان، ورأى أنها تكاد تكون معدومة فيه٢. وهذا موضع مناقشة هذه الفكرة الجائرة.

إن من يمعن في كتاب "البيان" يؤمن معي إيمانًا جازمًا بمدى ما في هذا الرأي من جور على الجاحظ وغبينه لكتابه، فشخصية الجاحظ في كتابه البيان ليست معدومة ولا ضعيفة، بل نراها قوية مهيمنة ونلمسها في ثناياه في مظاهر منوعة:

فهي فيما يذكره الجاحظ من أدب ورواية، وفيما يسرده من آراء رجال البيان العربي في البلاغة وعناصرها ومذاهبها، ويكفي لظهورها


١ ٨٥ و٨٦/ البيان.
٢ ص٧ مقدمة نقد النشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>