للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.......................................................................


العهد مطلقًا وتعريف الحقيقة من قبيل التعريف العهدي وذلك؛ لأن تعريف العهد معناه الدلالة على ما هو حاضر في ذهن السامع معهود بين المتكلم والمخاطب عهدًا تحقيقيًّا أو تقديريا تنزيلًا، فالعهد التحقيقي أن يتقدم ذكر مدلولها صريحًا أو كناية أو يتقدم العلم به وتسمى اللام حينئذ لام العهد الخارجي، والعهد التقديري التنزيلي هو ألا يتقدم ذكر مدخولها لا صريحا ولا كناية ولا يتقدم العلم به ولكنه منزل منزلة المعهود في ذهن السامع لاعتبارات خطابية يأتي تفصيلها وهذا العهد يسمى التعريف فيه بتعريف لام الحقيقة سواء أريد بمدخولها الحقيقة من حيث هي أوفى ضمن فرد مبهم.
وتسمى اللام حينئذ لام العهد الذهني فلام الحقيقة والعهد الذهني تسميان بلام العهد الذهني على رأي السكاكي وهي لم يشر بها إلى تعيين مدخولها في ذهن السامع على سبيل التحقيق بل على سبيل تنزيله منزلة المعهود في ذهن السامع ولا عهد في الواقع. ولكي ينكشف لك مذهب السكاكي انكشافًا أكثر أذكر ما قاله الشيرازي: فالفرق بين اسم الجنس المنكر والمعرف أنك إذا قلت جاء رجل كنت قد أحدثت في ذهن السامع شيئًًًًًا ما كان حاضرًا فيه ولا مقدرًا حضوره بوجه من الوجوه الخطابية الآتية، وإذا قلت جاء الرجل أو جاء الحبيب مثلًا من غير أن يتقدم له ذكر ولا علم كنت قد أشرت إلى موجود في ذهنه حاضرًا على وجه الفرض والتقدير، فاسم الجنس المعرف تعريف الحقيقة زاد على مفهوم غير المعرف منه بهذا القدر من التعيين وهو فرض وجوده الخطابي، وبهذا القدر من التعيين استحق اسم التعريف.. والوجوه الخطابية التي تجعل مدخول لام الحقيقة حاضرًا في الذهن على وجه الفرض والتقدير ترجع لأمور كثيرة: منها أن يكون محتاجًا إليه على طريق التحقيق
أو التحكم نحو الدينار خير من الدرهم والمسلم حضر يريد غير معين تهكما به حيث لا يعمل بمقتضى الإسلام، أو أن يكون عظيم الخطر معقودًا به الهمم نحو والذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة، أو يكون حاضرًا لا يغيب عن الحس نحو جاء الحبيب.
هذا هو اعتراض السكاكي الذي أورده على كون اللام لتعريف الحقيقة وهذا هو جوابه عنه وجواب غيره.. أما اعتراضه على كون اللام للاستغراق فقد قال: إن القول بكون اللام للاستغراق يلزم عليه الجمع بين المتنافيين وذلك بأن اللام تدل حينئذ على التعدد والمفرد الداخلة عليه على الوحدة، والتعدد والوحدة متنافيان وقد أجاب عن هذا الاعتراض بأن الاستغراق ليس مستفادًا من المعرف باللام بطريق الوضع وإنما يفهم من المقام، فإن الحقيقة من حيث هي ليست متوحدة لتحققها مع التعدد ولا متعددة لتحققها مع الوحدة إذ كانت ليست للتعدد فقط ولا للتوحد فقط.
فكون الحكم المحكوم به على مدخول اللام مستغرقًا لجميع أفراده وغير مستغرق يرجع إلى مقتضى المقام فإذا كان المقام خطابيًّا يكتفي فيه بالظن حمل الحكم على الاستغراق وأن المراد بمدخولها العام سواء كان مدخولها مفردًا نحو المؤمن غر كريم أو جمعًا نحو المؤمنون هينون لينون فالمقام هنا خطابي؛ لأن هذه الأمثلة من القضايا المقبولة من جهة الشرع وهنا أريد بمدخولها الاستغراق والحكم ثابت لجميع الأفراد بسبب أن المتكلم يلقى في خيال السامع أن تخصيص الحكم ببعض المؤمنين دون بعض مع تحقق حقيقة الإيمان في كل منهما ترجيح لأحد المتساويين بلا مرجح، فوجب الحمل على الاستغراق من أجلها.
أما إذا كان المقام استدلاليًّا، فيحمل مدخول اللام على المتيقن وهو الواحد في المفرد والثلاثة في الجمع نحو حصل الدرهم، فيراد من الدرهم واحد فقط، وحصل الدراهم ويراد ثلاثة فقط.
وقد أجاب صاحب الإيضاح عن هذا الاعتراض الثاني بجوابين الأول بالمنع والثاني بالتسليم، أما جواب المنع فحاصله أن المراد بالعموم المدلول عليه بأداة الاستغراق الكل الأفرادي لا الكل المجموعي، والفرق بينهما أن يراد من مدخول اللام كل واحد بدلًا عن الأفراد لا كل واحد مجتمع مع الآخر، وهذا لا ينافي الوحدة في المدلول، وأما الكل المجموعي فيراد فيه الفرد مجتمعًا مع الآخر، وهذا الذي ينافي الوحدة في المدلول وهو غير المراد. وجواب التسليم: سلمنا فرضًا أن الوحدة هنا تتنافى مع التعدد، كأن أداة الاستغراق تدخل على المفرد مجردًا عن الوحدة والتعدد، فيصلح لأن يراد الحقيقة في ضمن الجميع.

<<  <  ج: ص:  >  >>