للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يقال "ما أنا رأيت أحدًا من الناس"١، ولا "ما أنا ضربت إلا زيدًا"٢، بل يقال: ما رأيت- أو ما رأيت أنا أحدًا من الناس، وما ضربت أو ما ضربت أنا إلا زيدًا؛ لأن المنفي في الأول الرؤية الواقعة على كل واحد من الناس وفي الثاني الضرب الواقع على كل واحد منهم سوى زيد، وقد سبق أن ما يفيد التقديم ثبوته لغير المذكور هو ما نفي عن المذكور فيكون الأول مقتضيًا؛ لأن إنسانًا غير المتكلم قد رأى كل الناس، والثاني مقتضيًا؛ لأن إنسانًا غير المتكلم قد ضرب من عدا زيدًا منهم، وكلاهما محال، وعلل الشيخ عبد القاهر والسكاكي٣، وامتناع الثاني٤ بأن نقض النفي بألا يقتضي أن يكون القائل له قد ضرب زيدًا وإيلاء الضمير حرف النفي يقتضي أن لا يكون ضربه وذلك تناقض، وفيه نظر: لأنا لا نسلم أن إيلاء الضمير حرف.


١ لأنه يقتضي أن يكون إنسان غير المتكلم قد رأى كل أحد من الناس؛ لأنه نفى عن المتكلم الرؤية على وجه العموم في المفعول فيجب أن تثبت لغيره على وجه العموم في المفعول ليحقق تخصيص المتكلم بهذا النفي، ولا شك أن ذلك باطل، فلا يصح هذا المثال بناء على ما يتبادر منه وهو الاستغراق الحقيقي، وإن أمكن تخصيصه بحمل النكرة الواقعة في سباق النفي على الاستغراق العرفي بحمل الأحد على الأحد الذي يمكن رؤيته فيصح المثال على ذلك الوجه.
٢ لأنه يقتضى أن يكون إنسان غيرك قد ضرب كل أحد سوى زيد؛ لأن المستثنى منه مقدر عام وكل ما تنفيه عن المذكور على وجه الحصر يجب ثبوته لغيره تحقيقًا لمعنى الحصر: إن عامًا فعام، وإن خاصا فخاص.
٣ ونص كلام عبد القاهر هو: "لأنه يقتضي المحال وهو أن يكون ههنا إنسان قد رأى كل أحد من الناس فنفيت أن تكونه "ص٩٧ من الدلائل، وفي ص٩٨ من الدلائل يعلل الشيخ عبد القاهر بالتعليل الذي ذكره السكاكي والخطيب. والتعليل الأول لعبد القاهر قد ذكره السكاكي أيضًا في المفتاح ص١٠١. وهو ما أنا ضربت إلا زيدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>