للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما لا يستقيم المعنى فيه إلا على ما جاء عليه من بناء الفعل على الاسم قوله تعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف: ١٩٦] وقوله تعالى: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان: ٥] ، وقوله تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: ١٧] ، فإنه لا يخفى على من له ذوق أنه لو جيء في ذلك بالفعل غير مبني على الاسم لوجد اللفظ قد نبا عن المعنى، والمعنى قد زال عن الحال التي ينبغي أن يكون عليها.

وكذا إذا كان الفعل منفيًّا١، كقولك "أنت لا تكذب" فإنه أشد لنفي الكذب عنه من قولك "لا تكذب"، وكذا من قولك "لا تكذب أنت"؛ لأنه لتأكيد المحكوم عليه لا الحكم، وعليه قوله تعالى: {وَالذِيْنَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرْكُوْنَ} فإنه يفيد من التأكيد في نفي الاشراك عنهم ما لا يفيده قولنا والذين لا يشركون بربهم ولا قولنا والذين بربهم لا يشركون، وكذا قوله تعالى: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} وقوله تعالى: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُون} ، وقوله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} .


١ أي بحرف نفي مؤخر عن المسند إليه، أي فقد يأتي التقديم للتخصيص وقد يكون للتقوي، فالأول كقولك "أنت ما سعيت في حاجتي" والثاني كالمثال الذي ذكره الخطيب. وابن السبكي يفهم من كلام الشيخ عبد القاهر أنه عنده للتقوي فقط. ويلاحظ أن "أنا ما قلت هذا" التقديم فيه يفيد التخصيص، فهو مثل قولك "ما أنا قلت هذا"، ولكنهما يفترقان في أن المثال الثاني إنما يلقي لمن اعتقد ثبوت القول وأصاب في ذلك لكنه أخطأ في نسبته للمتكلم أما انفرادا أو على سبيل المشاركة، وأما المثال الأول فيلقي لمن اعتقد عدم القول وأصاب لكنه اخطأ في نسبته لغير المتكلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>