للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن ما ذكره هذا القائل١ -من كون كل في النفي مفيدة للعموم تارة وغير مفيدة للعموم أخرى- مشهور. وقد تعرض له الشيخ عبد القاهر٢ وغيره.. قال الشيخ "عبد القاهر": كلمة كل في النفي إن أدخلت في حيزه، بأن قدم عليها: لفظًا، كقول أبي الطيب:

ما كل ما يتمنى المرء يدركه ... "تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن"

وقول الآخر: ما كل رأي الفتى يدعو إلى رشد٣.

وقولنا "ما جاء القوم كلهم" وما جاء كل القوم، "ولم آخذ الدراهم كلها"، ولم آخذ كل الدراهم. أو تقديرًا، بأن قدمت٤ على الفعل المنفي وأعمل فيها؛ لأن العامل رتبته التقدم على المعمول كقولك كل الدراهم لم آخذ، توجه النفي إلى الشمول خاصة دون أصل الفعل، وأفاد الكلام ثبوته لبعض أو تعلقه٥ ببعض.. وإن أخرجت٦ من حيزه بأن قدمت عليه لفظًا ولم تكن معمولة للفعل المنفي


١ وهو بدر الدين بن بن مالك.
٢ عبد القاهر يحكم الذوق والأسلوب العربي الفصيح، دون تحكمات المنطق والمناطقة.
٣ عجزه: إذا بدا لك رأي مشكل فقف -وهو لأبي العتاهية.
٤ أي لفظة "كل".. هذا ويلاحظ أن كلام عبد القاهر يؤيد كلام صاحب المصباح وإن اختلفا في التعليل، إذ أن كلام صاحب المصباح حق وتعليله باطل، فأورد الخطيب رأي عبد القاهر ليشير إلى التعليل الصحيح.. وما ذكره عبد القاهر يخالف أيضًا رأي صاحب المصباح إذ أن "لم يقم كل إنسان" صادق عند صاحب المصباح بصورتين "هما نفي الحكم عن كل فرد ونفيه عن بعض دون بعض" وعند عبد القاهر لا يصدق إلا على الصور ة الثانية.
٥ أي تعلق الفعل: هذا والشاهد على ذلك الذوق. والحق أن هذا الحكم أكثري لا كلي بدليل قوله تعالى: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور} وما شابهه من الآيات.
٦ أي لفظة كل.

<<  <  ج: ص:  >  >>