للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من لفظ ترى ويود إلى استحضار صورة رؤية المجرمين ناكسي الرؤوس قائلين لما يقولون وصرة رؤية الظالمين موقوفين عند ربهم متقاولين بتلك المقالات وصورة ودادة الكافرين لو أسلموا، كما في قوله تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [فاطر: ٩] إذ قال فتثير سحابًا استحضارًا لتلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الباهرة من آثارة السحاب مسخرًا بين السماء والأرض تبدو في الأول كأنها قطع قطن مندوف ثم تتضام متقابلة بين أطوار حتى يعدن ركامًا، وكقول تأبط شرًّا١:

ألا من مبلغ فتيان فهم ... بما لاقيت عند رحا بطان

بأني قد لقيت الغول تهوي ... بسهب كالصحيفة صحصحان

فقلت لها: كلانا نضو أرض ... أخو سفر فخلي لي مكاني

فشدت شدة نحوي فأهوت ... لها كفي بمقصول يماني

فأضربها بلادهش فخرت ... صريعا لليدين وللجران

إذ قال: فأضربها ليصور لقومه الحالة التي تشجع فيها على ضرب الغول، كأنه يبصرهم إياها ويتطلب منهم مشاهدتها تعجيبًا من جراءته على كل هول وثباته عند كل شدة. ومنه قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: ٥٩] ، دون كن فكان. وكذا قوله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: ٣١] .


١ وتنسب لأبي الغول الطهوي. فهو قبيلة تأبَّط شرًّا، رحا بطان: موضع بالبادية. تهوي: تسرع. السهب. المستوى من الأرض في سهولة، وكذلك الصحصحان. النضو: المهزول من كل شيء. الصريع يستوي فيه المذكر والمؤنث. الجران في الأصل: مقدم عنق البعير من مذبحة إلى منحره.

<<  <  ج: ص:  >  >>