للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.........................................................................


= مفعولًا لا لفظًا ولا تقديرًا ومثال ذلك قول الناس فلان يحل ويعقد ويأمر وينهي ويضر وينفع وكقولهم هو يعطي ويجزل ويقري ويضيف، المعنى في جميع ذلك على إثبات المعنى في نفسه للشيء على الإطلاق وعلى الجملة من غير أن يتعرض لحديث المفعول حتى كأنك قلت: صار إليه الحل والعقد، وصار بحيث يكون منه حل وعقد وأمر ونهي وضر ونفع. وعلى ذلك قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: ٩] ، المعنى هل يستوي من له علم ومن لا علم له من غير أن يقصد النص على معلوم، وكذلك قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى، وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} ، وقوله: وأنه هو أغنى وأقنى -أي أعطى ما يقتنى- المعنى هو الذي منه الإحياء والإماتة والإغناء والإفناء. وهكذا كل موضع كان القصد فيه أن يثبت المعنى في نفسه فعلًا للشيء وأن يخبر بأن من شأنه أن يكون منه أو لا يكون إلا منه "أي على إفادة التقوي أو الخصيص" أو لا يكون منه فإن الفعل لا يعدي هناك؛ لأن تعديته تنقض الغرض وتغير المعنى. ألا ترى أنك إذا قلت هو يعطي الدنانير كان المعنى على أنك قصدت أن تعلم السامع أن الدنانير تدخل في عطائه أو أنه يعطيها خصوصًا دون غيرها وكان غرضك على الجملة بيان جنس ما تناوله الإعطاء لا الإعطاء في نفسه ولم يكن كلامك مع من نفى أن يكون كان منه إعطاء بوجه من الوجوه بل مع من أثبت له إعطاء إلا أنه لم يثبت إعطاء الدنانير فاعرف ذلك فإنه أصل كبير عظيم النفع. فذا قسم من خلو الفعل عن المفعول وهو ألا يكون له مفعول يمكن النص عليه "١١٨ و١١٩ دلائل".
وكلام السكاكي أيضًا في هذا الموضوع على نهج كلام عبد القاهر حيث جعل من أسباب ترك ذكر المفعول: القصد إلى نفس الفعل بتنزيل المتعدي منزلة اللازم ذهابًا في نحو فلان يعطي إلى معنى يفعل الإعطاء ويوجد هذه الحقيقة إيهامًا للمبالغة بطريق المذكور في إفادة اللام للاستغراق وعليه قوله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢٢] ، المعنى وأنتم من أهل العلم المعرفة.
وقد فسر الخطيب وغيره "الإطلاق" هنا بشيئين: عدم اعتبار العموم أو الخصوص في الفعل، وعدم اعتبار التعليق بالمفعول. واعترض على الخطيب بأن عدم اعتبار العموم أو الخصوص في الفعل لا دخل له في تنزيله.

<<  <  ج: ص:  >  >>