ويلاحظ أن عبد القاهر لم يقسم هذا الضرب إلى قسمين بل الذي جرى عليه أن هذا الضرب هو القسم الثاني فقط وهو ألا يجعل الفعل مطلقًا كناية عنه متعلقًا بمفعول مخصوص دلت عليه قرينة، أما القسم الآخر وهو أن يجعل كناية فقد جعله من الضرب الثاني الآتي؛ لأن له عنده مفعولًا مقصودًا محذوفًا لدلالة الحال ونحوه عليه.. ويقول عبد القاهر: اعلم أن أغراض الناس تختلف في ذكر الأفعال المتعدية فهم يذكرونها تارة ومرادهم أن يقتصروا على إثبات المعاني المشتقة منها للفاعلين من غير أن يتعرضوا لذكر المفعولين فيكون الفعل المتعدي كغير التعدي في أنك لا ترى له مفعولًا لا لفظًا ولا تقديرًا. وعلى ذلك قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: ٩] ، فهذا قسم من خلو الفعل عن المفعول وهو أن لا يكون له مفعول يمكن النص عليه، وقسم ثان وهو أن يكون له مفعول مقصود قصده معلوم إلا أنه يحذف من اللفظ لدليل الحال عليه، وينقسم إلى: جلي لا صنعة فيه مثل أصغت إليه أي أذني، وحتى تدخله الصنعة فيتفنن ويتنوع: أ- فنوع منه أن تذكر الفعل وفي نفسك له مفعول مخصوص قد علم مكانه إما لجري ذكر أو دليل حال إلا أنك تنسيه نفسك وتخفيه وتوهم أنك لم تذكر ذلك الفعل إلا؛ لأن تثبت نفس معناه من غير أن تعديه إلى شيء أو تعرض فيه لمفعول ومثاله شجو حساده البيت. ب- ونوع آخر وهو أن يكون معك مفعول معلوم مقصود قصده قد علم أنه ليس للفعل الذي ذكرت مفعول سواه بدليل الحال أو ما سبق من الكلام إلا أنك تطرحه وتتناساه وتدعه يلزم ضمير النفس لغرض غير الذي مضى وذلك الغرض أن تتوفر العناية على إثبات الفعل للفاعل وتخلص له وتنصرف بجملتها وكما هي إليه ومثاله قول عمرو بن معد يكرب: "فلو أن قومي أنطقتني رماحهم" البيت، ومثله قول جرير: أمنيت المنى وخليت حتى ... تركت ضمير قلبي مستهاما =